بالأمس القريب زف لنا خبر تخرج ابن أحد الأطباء المشهورين، لينضم إلى أخويه يزاملان والدهم في مهنة الطب.. في الوقت ذاته أحد ا?باء في إحدى المناطق يقتاد أبناءه ذكورا وإناثا ليلتحقوا بتنظيم داعش! مفارقة عجيبة، مفرحة ومبكية في آن! مفرحة ونحن نرى الطبيب يوجه أبناءه ليكونوا في أشرف مهنة، مهنة الحياة وا?نسانية وبث الأمل في أرواح الناس. مبكية لتوظيف ا?خر أبناءه كي يكونوا أدوات موت وحرب ودمار. مفرحة ونحن نجد الأشقاء الثلاثة اجتهدوا واجتهد والدهم في دعمهم ليكونوا أدوات فاعلة صالحة للحياة في بناء ذواتهم ليرتقوا، وبالتالي يرتقي وطنهم بوعيهم وعلمهم.. مبكية لأن المجموعة التي غادرت خرجت على الوطن، وعن طاعة ولي الأمر، خرجت من أجل ا?سهام في تدمير الجمال والحياة في وطنها. وهنا علينا أن نقف على مقربة من الواقعتين، نضع المفارقات بينهما، وندور الموضوع في عقولنا، ما الهدف الذي تسعى إليه الأسرة الضالة لتترك حياة مستقرة آمنة هادئة رغيدة، وتتستر بالظلمات الثلاث: ظلمة الجهل، وظلمة الليل، وظلمة التوجه والمعتقد، لتصل إلى منطقة غارقة في الدم تنام على النحيب، وتستيقظ على النعيق، وفيما بين نومها ويقظتها جلبة الكراهية للجمال تصم الآذان؟ فترى المكائد والمؤامرات تحاك في دهاليز الجهل وممرات الضغينة والحقد.. يتنفسون سرا.. يأكلون سحتا.. متجهمون.. متأهبون للموت، يحملون أكفانهم، ويصنعون نعوشهم.. يغفون وجانب وسائدهم الكلاشنكوف وتوابعه.. يغمضون أعينهم وقلوبهم وجلة لا تعرف الاستقرار والنوم.. يفتقدون الثقة في بعض.. هؤلاء حياتهم قلقة تماما كحياة الحيوانات المتوحشة الجارحة التي لا تعي معنى الثقة والهدوء والاستقرار.. هي في وضع العداء الدائم والتأهب للعنف والدم.لا نعلم لماذا يرتضون لأنفسهم هذه الحياة، مع أنه بالإمكان أن تكون مثل حياة الأطباء الثلاثة عطاء وعملا وحياة مستقرة مبهجة؟! لم أتخيل يوما أن أقرأ أو أسمع عن رجل يحشد عائلته للهلاك! حين تكون أهدافنا واضحة جلية فلن نكون سوى ذلك الشخص المستقر نفسيا وعاطفيا وأسريا، نعيش تحت مظلة السكينة والهدوء.. نعمل من أجل بناء ذواتنا، ونلوذ بمعطيات ا?بداع المحيطة بنا بعيدا عن التعتيم والظلام. ما أجمل أن نرى الضوء يلوح من نفوس الأطباء الثلاثة! يشعرنا بالحياة، ويعيد ثقتنا بقدرة ا?باء على رسم خطوط واضحة معاكسة، بل وطامسة لخط الدمار والموت.