أبها: الوطن

لم يكن غريبًا أن تطل سوريا (في عهدها الجديد) على العالم من بوابة الرياض، وذلك بمشاركتها الأولى في أول اجتماع دولي، دعت إليه الرياض وعقد الأحد الماضي بمشاركة وزراء خارجية وممثلي كلٍ من البحرين، ومصر، وفرنسا، وألمانيا، والعراق، وإيطاليا، والأردن، والكويت، ولبنان، وسلطنة عمان، وقطر، وإسبانيا، وسوريا، وتركيا، والإمارات، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والممثلة السامية للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا.

واستبعاد الغرابة جاء منسجمًا تمامًا مع مساحة التفاؤل التي يضعها السوريون على دور السعودية في الإسهام في بناء دولتهم التي خلفها نظام الأسد مدمرة منهكة.

وجاءت النتائج التي خرج بها اجتماع الأحد لتعزز اليقين السوري بالدور السعودي المحوري في إعادة بناء سوريا الجديدة، وهو الحديث الذي خرج من إطار التصريحات الإعلامية وبات حديث الشارع السوري الذي يطالب باستنساخ التجارب السعودية، والاستفادة منها سواء ما تعلق بموضوع البناء والمواصلات والاتصالات والأمن السيبراني أو ما تعلق بغيرها من التجارب السعودية التي باتت أنموذجًا يمكن للآخرين البناء عليه.

وجاءت تأكيدات قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع مواكبة وراسمة لهذا التوجه حيث أكد في تصريحات إعلامية مبكرة سبقت اجتماع الرياض، قائلا «سنحاول الاستفادة من التجربة السعودية في التقدم والتطور والازدهار وتطبيقها في سوريا الجديدة».

نتائج بحجم الطموح

أطلق السوريون خلال الشهر الفائت كثيرًا من المطالبات عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر اللقاءات والتجمعات المحلية الرسمية والشعبية لرفع العقوبات عن سوريا، وعدّها كثيرون النقطة المفصلية التي يمكنها أن تدفع الإدارة الجديدة لتأمين الخدمات والاحتياجات الملحة، خصوصًا وأن هذه الإدارة واجهت واقعًا اقتصاديًا وماليًا مزريًا، وجاءت نتائج اجتماع الرياض، وثقل الدول المشاركة فيه، لتبعث التفاؤل لدى السوريين بأن رفع العقوبات عن بلادهم بات أقرب من أي وقت مضى، خصوصًا أن الاجتماع بحث خطوات دعم السوريين وتقديم العون والإسناد لهم، ومساعدتهم في إعادة بناء سوريا الموحدة الآمنة.

كما بحث الاجتماع دعم عملية الانتقال السياسي السوري بمشاركة كل القوى السياسية والاجتماعية السورية وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، مع تقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها.

تقدير رسمي وشعبي

حظيت تصريحات وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بترحيب رسمي وشعبي سوري كبيرين، حيث شددت على الترحيب بالقرار الأمريكي إصدار الترخيص العام 24 بشأن الإعفاءات المتصلة بالعقوبات على سوريا، وكذلك مطالبته الأطراف الدولية برفع العقوبات الأحادية والأممية المفروضة على سوريا، والبدء عاجلاً بتقديم جميع أوجه الدعم الإنساني، والاقتصادي، وفي مجال بناء قدرات الدولة السورية، ما يهيئ البيئة المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، وتأكيداته أن استمرار العقوبات المفروضة على النظام السوري السابق ستعرقل طموحات الشعب السوري في تحقيق التنمية وإعادة البناء وتحقيق الاستقرار.

وثمن السوريون للأمير فيصل بن فرحان إشادته بخطوات الإدارة السورية الجديدة التي تمثلت بالحفاظ على مؤسسات الدولة، والتحاور مع الأطراف السورية، والالتزام بمكافحة الإرهاب، والإعلان عن البدء بعملية سياسية تضم مختلف مكونات الشعب السوري، وألا تكون سوريا مصدر تهديد لأمن واستقرار دول المنطقة.

جسر مساعدات

تسابق السوريون في نشر صور وأخبار جسر المساعدات الإنسانية السعودية إلى دمشق، وهو جسر بري وجوي حمل مواد غذائية وإيوائية وطبية.

وحظيت صور طائرات الإغاثة السعودية وهي تستقر في مطار دمشق الدولي، وكذلك صور أساطيل الشاحنات السعودية التي عبرت برا بكثير من الإعجابات والتعليقات الإيجابية، وقال معلقون على الفيسبوك «هذه هي السعودية التي لم تخذلنا يومًا».

وأضاف آخرون «هذا الأمل من الأحبة السعوديين».

على الأرض

ما تزال الأمور بالغة التعقيد على الأرض في سوريا، فالإدارة الجديدة التي سعت للحفاظ على مؤسسات الدولة ما زالت بحاجة إلى عمل لتبسط سيطرتها على المدن الطرفية، والبعيدة عن مراكز المدن، وإن كانت قد فوضت بعض السكان المحليين لإدارة أمور بلداتهم وفق توجيهاتها ريثما تتولى الحكومة بسط حضورها التام.

وتبدو التجاذبات السورية بالرغم من مضي أكثر من شهر على هروب الأسد على أشدها، فما إن هدأت وتيرة الاحتفالات بالتخلص منه، حتى علت المخاوف، وبات البعض يتصيد أي هفوة من أي فرد ينتمي إلى الإدارة الجديدة ليصوروها مشكلة إقصاء وتطرف، وتحولت صفحات مواقع التواصل إلى مساحات للحوارات والجدل بين أنصار الإدارة الجديدة الذين يطالبون بإمهالها بعض الوقت حتى تستطيع تنفيذ أجنداتها المعلنة، فيما يصر مناوئون لها على تضخيم أي خطأ حتى لو كان مرتكبًا نتيجة قلة خبرة البعض.

ويلعب العلويون تحديدًا دورًا كبيرًا في تضخيم ما يصورونه على أنه مخاطر انتقام تحيق بهم، وهم الذين سيطروا على السلطة في الدولة السورية ذات الأغلبية السنية طيلة 50 سنة من حكم عائلة الأسد، وشغلوا مناصب عليا في الحكومة والجيش وأجهزة الاستخبارات، وهم اليوم يحاولون تصوير الأمور على أنهم عرضة للانتقام، وهو ما حاول الشرع استبعاده مستثنيًا فقط أولئك الذين ارتكبوا جرائم ممنهجة مثل المجازر الكبيرة التي ارتكبت في سوريا خلال السنوات الأخيرة.

تعقيدات شديدة

لا تقتصر الإشكالات التي تواجهها الإدارة السورية الجديدة على تعقيدات الوضع المعيشي والخدمي، بل وكذلك في التعامل مع الفسيفساء السورية بالغة التعقيد، والتي تضم أديانا ومذاهب عدة، فهناك المسلمون والمسيحيون والسنة والشيعة والعلويون والدروز، وهناك أعراق عدة بينهم الأكراد والتركمان والأرمن والشركس وغيرهم.

وفتحت هذه الأثنيات بوابات الجدل على مصارعها حيث يسعى كل تشكيل إلى ما يضمن له خروجه بمكاسب، وارتفع اللغط حول الأقليات وحول حقوق المرأة وحول ممارسات أتباع الأديان لطقوسهم، لكن الإدارة الجديدة تحاول إرسال تطمينات وإن كان كل قرار يصدر عنها يتحول مجالًا للجدل والأخذ والرد.

أبرز نتائج اجتماع الرياض

ـ الدعوة لرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا

ـ بحث خطوات دعم السوريين وتقديم العون والإسناد لهم

ـ مساعدة السوريين في إعادة بناء سوريا الموحدة الآمنة

ـ دعم عملية الانتقال السياسي السوري بمشاركة كل القوى والمكونات

ـ تقديم الدعم والنصح والمشورة بما يحترم استقلال سوريا وسيادتها