إكمالا لمقالنا السابق عن حقيقة التطور اللغوي، واللبس الكبير الذي يعتري هذا المفهوم، ما جعل كثيرا من اللغويين يجهلون حقيقة ثنائية اللغة وازدواجيتها. فكل شعوب العالم لا تستعمل لغة واحدة في حياتها اليومية، ونخص بالذكر الفئة المتعلمة في المجتمع. فهناك شكلان لغويان في كل مجتمع، فصيح وعامي، وكل شكل لغوي يلعب دورا خاصا غير متداخل مع الآخر. الفصيح ثابت نسبيا ولا يتطور لأنه ينتمي لتراث قديم وليس له علاقة بالمجتمع المعاصر. يقابله شكل عامي يخضع للتطور والتحور السريع. وكلما زاد تعليم الفرد واطلاعه على كتب التراث كلما زاد إلمامه ووعيه بالشكل الفصيح. والمثقفون في كل مجتمع يسعون قدر الاستطاعة لإجادة لغة التراث الفصيحة التي لا تتطور، ويحاولون تحاشي العامية وألفاظها وعباراتها التي تجري على ألسنة العامة في كلامهم وكتاباتهم. فالتداخل بين الشكل اللغوي الفصيح والعامي في الاستعمالات الرسمية أو الكتابة الأدبية يعكس قلة ثقافة وتعليم لدى الفرد.
كثير من المختصين في اللغويات يجهلون حقيقة «ازدواجية اللغة» وأنها بطبيعتها ثنائية «فصيحة وعامية»، ولكل شكل وظيفة مختلفة في المجتمع، وكلما زاد التعليم وانتشر بين الأفراد تجلت الفروقات بين الشكلين اللغويين ووجد تقسيم صارم بينهما، وأصبح المجتمع على وعي ودراية بهذه الثنائية، وعلى وعي بالصورة المعيارية التي لا تقبل التطور والحياة والموت للشكل الفصيح. وهي صورة تحمل قواعد نحوية وصرفية أكثر تعقيدا من اللغة العامية المتطورة التي تقبل مفهومي الحياة والموت.
يدرك علماء اللغة الأوائل جيدا طبيعة ازدواج اللغة، كما أنهم على وعي كامل أن الشكل الفصيح للغة لا يتطور بطبيعته. فعند دراستهم لكلام العرب الفصحاء كان هناك تقسيم صارم لعينة الدراسة بحيث يرفض الاحتجاج بأهل المدن أو «أهل المدر» كما يسمونهم لدوافع علمية ومنهجية بحتة. ويفضل في المقابل الاحتجاج بكلام أهل البادية والأعراب أو «أهل الوبر» كما يسمونهم. طبعا هذا التقسيم اللغوي -أهل الوبر وأهل المدر- لا ينبني على أي تحيزات قبلية أو ثقافية أو اجتماعية، فهو تقسيم علمي محض. فعلماء اللغة يدركون أن لغة مجتمع البادية لا تتعرض لعوامل التطور كما هي الحال مع مجتمعات المدن؛ لذلك كانوا يشدون الرحال لمواطن الأعراب وأهل البادية أو يلتقون بهم في الحواضر ويصححون كثيرا من الشواهد اللغوية.
الاحتجاج بلغة الأعراب وأهل البادية يخضع لمعايير عديدة، أولها كون الأعراب وأهل البادية يعيشون في مجتمع شبه معزول ولا يتطور لغويا بسرعة ولا ينهض اقتصاديا على التجارة ولا يختلطون كثيرا بالشعوب الأعجمية، وعلى هذا الأساس قامت كتب النحو والمعاجم في التراث العربي الإسلامي. فوضع الشكل المعياري للغة مستبعدا عوامل التطور، لأنهم في الواقع يتناولون لغة عليا أو فصيحة في المجتمع. وكما أشرنا في مقالة سابقة أن الشكل اللغوي الفصيح لا يخضع للتطور فهو بطبيعته ثابت ومعياري ويقبل فكرة الاستعمال الصحيح والخطأ، وكلما زاد تعليم الفرد وتعمقه في دراسة الشكل الفصيح أصبح على وعي كبير به، حتى أنه يستطيع تمييز الأخطاء اللغوية الشائعة في الاستعمالات الرسمية، لأن هذا الشكل اللغوي ينتمي إلى لغة تراث قديم سواء كان دينيا أو أدبيا.
كثير من المختصين في اللغويات يجهلون حقيقة «ازدواجية اللغة» وأنها بطبيعتها ثنائية «فصيحة وعامية»، ولكل شكل وظيفة مختلفة في المجتمع، وكلما زاد التعليم وانتشر بين الأفراد تجلت الفروقات بين الشكلين اللغويين ووجد تقسيم صارم بينهما، وأصبح المجتمع على وعي ودراية بهذه الثنائية، وعلى وعي بالصورة المعيارية التي لا تقبل التطور والحياة والموت للشكل الفصيح. وهي صورة تحمل قواعد نحوية وصرفية أكثر تعقيدا من اللغة العامية المتطورة التي تقبل مفهومي الحياة والموت.
يدرك علماء اللغة الأوائل جيدا طبيعة ازدواج اللغة، كما أنهم على وعي كامل أن الشكل الفصيح للغة لا يتطور بطبيعته. فعند دراستهم لكلام العرب الفصحاء كان هناك تقسيم صارم لعينة الدراسة بحيث يرفض الاحتجاج بأهل المدن أو «أهل المدر» كما يسمونهم لدوافع علمية ومنهجية بحتة. ويفضل في المقابل الاحتجاج بكلام أهل البادية والأعراب أو «أهل الوبر» كما يسمونهم. طبعا هذا التقسيم اللغوي -أهل الوبر وأهل المدر- لا ينبني على أي تحيزات قبلية أو ثقافية أو اجتماعية، فهو تقسيم علمي محض. فعلماء اللغة يدركون أن لغة مجتمع البادية لا تتعرض لعوامل التطور كما هي الحال مع مجتمعات المدن؛ لذلك كانوا يشدون الرحال لمواطن الأعراب وأهل البادية أو يلتقون بهم في الحواضر ويصححون كثيرا من الشواهد اللغوية.
الاحتجاج بلغة الأعراب وأهل البادية يخضع لمعايير عديدة، أولها كون الأعراب وأهل البادية يعيشون في مجتمع شبه معزول ولا يتطور لغويا بسرعة ولا ينهض اقتصاديا على التجارة ولا يختلطون كثيرا بالشعوب الأعجمية، وعلى هذا الأساس قامت كتب النحو والمعاجم في التراث العربي الإسلامي. فوضع الشكل المعياري للغة مستبعدا عوامل التطور، لأنهم في الواقع يتناولون لغة عليا أو فصيحة في المجتمع. وكما أشرنا في مقالة سابقة أن الشكل اللغوي الفصيح لا يخضع للتطور فهو بطبيعته ثابت ومعياري ويقبل فكرة الاستعمال الصحيح والخطأ، وكلما زاد تعليم الفرد وتعمقه في دراسة الشكل الفصيح أصبح على وعي كبير به، حتى أنه يستطيع تمييز الأخطاء اللغوية الشائعة في الاستعمالات الرسمية، لأن هذا الشكل اللغوي ينتمي إلى لغة تراث قديم سواء كان دينيا أو أدبيا.