أكرم خوجة

ما أجمل أن تداعبك حواسك على فكرة النهوض والنشاط في الصباح الباكر، ليس لأنك مشتاق للذهاب لعملك، ولكن رائحة فنجان القهوة الصباحية تغريك وتقوم بتذكريك بأن وظائف المخ لن تفعّل ولن يتحسن مزاجك وترفع من إنتاجياتك إلا بعد شربك فجنان من القهوة. قبل أسابيع قليلة، قرأت عن إغراء القهوة مدعومة بحقيقة علمية، وهي أن نبتة البن تحتوي على عنصر يهاجم ويقضي على البكتيريا الضارة للأسنان ويحميها خلال أيام معدودة. القهوة أصبحت عنصرًا لذيذًا من من يوميات المجتمع وجزءًا أساسيًا من ثقافتنا ما جعلها المشروب الأكثر شعبية حول العالم. أعترف بأنني لم أكن مغرمًا بالقهوة حتى هذه السنة، واليوم بالنسبة لي ولغيري من الملايين هي من أهم الطقوس الجميلة التي أنتظرها يوميًا وينتظرها الكثيرون غيري.

القهوة مشروب له تاريخ عريق وذو شهرة واسعة، داكن اللون، ذو سلطة ونفوذ، وعادة من عادات البيوت العربية، فإذا زرت مجلسًا ما وتم تقديم لك صينية وعليها فناجين قهوة ورفضت تناولها، فأعلم بأنك تبث رسالة صريحة وبليغة بأنك غاضب ومستاء.

حتى الآن لم يعرف السبب على وجه التحديد لماذا سميت القهوة بـ «القهوة». فحسب معجم أكسفورد للغة الإنجليزية يفترض أن المفردة قد دخلت إلى قارة أوروبا عن طريق الاحتكاك بالإمبراطورية العثمانية في بدايات القرن السابع عشر. يشكل تصدير البن ربحًا ماديًا لبعض الدول النامية من النقد الأجنبي. فمع مرور السنوات أصبحت البرازيل منافسًا قويًا وكبيرًا في زراعة البن وتصديره لبعض الدول الأخرى. فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية تستورد من البن بمبلغ يقدر قيمته بثمانية مليارات دولار سنويًا.

ومع ارتقاء شعبية القهوة وتحديدًا في حوافل العمل، تجد في جميع المكاتب أكوابا تتناثر على طاولات مكاتب الموظفين. البعض قد يتساءل ما هي أكثر المهن شربًا للقهوة؟ لكي أجيب على هذا السؤال قبل خمس سنوات أجريت دراسة من قبل شركة «كاريد بيلدرز» وسلسة المطاعم الشهيرة «دانكن دونتس» بحيث أجرى الباحثون دراسة على 4700 موظف فتصدرت هذه المهن الخمس المراتب الأولى.

فحل العاملون في إدارة المستشفيات والمراكز الصحية في المرتبة الخامسة، يليهم في المرتبة الرابعة الكتاب والمحررون، ومن بعدهم حل العاملون في إدارة التعليم في المرتبة الثالثة، أما في المرتبة الثانية فحل المسوقون والمتخصصون في العلاقات العامة.. وإذا كنتم تتساءلون مثلي عن أي من المهن تربعت على العرش في حب تناول القهوة وتصدرت بشرف، فالجواب هو العلماء ومتخصصو المختبرات. كما أظهرت الدراسة أيضًا أن الموظفين في بعض المهن يفضلون أن تكون قهوتهم بشكل مختلف عن بقية المجالات: فالقضاة والمحامون يحبذونها سوداء ومرة، والكتاب والمحررون يستحبونها منكهة، أما العاملون في الموارد البشرية فيتناولونها مع الكريم والسكر.

في يومنا هذا يوجه إتهام لمجتمعنا السعودي بأنه ينتمي إلى أصحاب المزاج ومع قريب سوف ينضمون إلى قائمة الدول الأكثر شربًا للقهوة، تتصدر هذه القائمة الدول الاسكندنافية. لكن هناك مدينة مشهورة بعشق سكانها للقهوة بشوارع مليئة بالمقاهي الكثيرة، هذه المدينة ليست مثل ميلان أو باريس أو إحدى الدول الاسكندنافية، الإجابة هي فيينا المدينة التي تعشق القهوة بكل أنواعها، بسبب ذلك لقد قامت بتأسيس جامعة متخصصة بالقهوة وفنون تحضيرها وأتكيت تقديمها وشربها، فتمنح لطلابها شهادات عليا في هذا التخصص .. تخيل أن يسألك أحد أصدقائك أو أقاربك أو شخص غريب عن مسارك الجامعي الذي تدرسه فتجيبهم بـ «علوم القهوة العصرية» أو ماجستير في فن الموك.