محمد إبراهيم الحسيني

ما الذي يحدد مسار الإنسان في هذه الحياة؟ أهي العاطفة الجارفة التي تشتعل كالبرق ثم تختفي؟ أم الانضباط الصارم الذي يعيدنا إلى الواقع كلما انجرفنا خلف وهم اللحظات العابرة؟.

في قصة لاعب كرة السلة الشاب، لويس ألسندور جونيور، نجد إجابة عميقة على هذا السؤال.. كان ألكيندور طالبًا في جامعة كاليفورنيا، حيث تعلم تحت إشراف المدرب الشهير جون وودن، حين وصف ألسندور أسلوب مدربه، استخدم كلمة واحدة: «غير عاطفي»، بالنسبة لوودن لم تكن القيادة تعني الإثارة المؤقتة أو الحماس السريع، بل كانت فلسفته قائمة على الهدوء، السيطرة على النفس، وأداء العمل دون استسلام للعاطفة.

ليس غريبًا أن يتحول هذا اللاعب الشاب لاحقًا إلى أحد أعظم أساطير كرة السلة، تحت اسم كريم عبدالجبار، لقد تعلم من مدربه درسًا عميقًا: النجاح ليس طفرةً أو انفعالاً، بل رحلة طويلة تتطلب الصبر والعمل المنتظم.

هذا الدرس يتكرر في حياة شخصيات أخرى مثل، إليانور روزفلت، المرأة التي أعادت تعريف دور السيدة الأولى في أمريكا، كانت روزفلت هادئة، متزنة ومركزة، لم تعتمد على الانفعالات أو الكلمات الرنانة، كانت ترى أن التغيير الحقيقي يبدأ من الداخل، من القدرة على التحكم في الذات واتخاذ القرارات بعقلانية.

أما وودن، فقد بنى إمبراطوريته في كرة السلة، ليس بخطط عبقرية أو حظ سعيد، بل بنظام دقيق واحترام لقيمة العمل اليومي، عشر بطولات في اثني عشر عامًا لم تكن مجرد أرقام، بل انعكاس لفلسفة تقوم على العمل المستمر والإيمان بأن الطريق إلى النجاح لا يحتاج إلى ضوضاء، بل إلى التزام هادئ.

في عالم اليوم، كثيرًا ما تصور الفرص على أنها لحظات خاطفة تحتاج إلى شجاعة للغوص فيها، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا الفرص في أغلب الأحيان، تكون غامضة، مليئة بالعقبات والمقاومة، وهنا تظهر أهمية الانضباط، تلك القوة التي تمنحنا القدرة على التنقل بين الصعوبات والوصول إلى جوهر الأشياء،

النجاح الحقيقي، كما علمنا كريم عبدالجبار، وروزفلت ووودن، لا يأتي من الانفعال أو الحماسة المؤقتة، إنه نتيجة تراكم طويل من العمل الصادق والانضباط المستمر.

لعلنا في لحظة ما، نختبر هذا بأنفسنا، عندما ندرك أن القوة الحقيقية ليست في التفاعل مع اللحظة، بل في الاستمرار، في مواجهة التحديات بصبر، وفي السير نحو أهدافنا دون أن نكون أسرى للعاطفة.