سيف الخماش

دائمًا ما يتبادر إلى الأذهان هل جودة الحياة بمختلف أنواعها هي السبيل للوعي الفكري، أم أن الوعي الفكري في المجتمع هو أحد ركائز وأسباب جودة الحياة. لعل هذه المقارنة أشبه بالسؤال أيهما يسبق البذرة أم الثمرة؟ كل ذلك لا يهم المهم أن نحصل على أجود الثمار، ولن أقول هنا أن الأعمال بالخواتيم، بل سأقول: كمال البدايات هو ما يصنع تمام النهايات.

فكل ثمرة جيدة خلفها شجرة طيبة زرعت بأيد طاهرة وفي أرض زاخرة وبطبيعة الحال سُقيت أيضا بماءِ عذبٍ فرات. ومن تلك الثمار تُأخذ البذور لتُزرع من جديد ، ولتتحول الأرض إلى جنة تُأتي أكلها ضعفين بإذن ربها.

تُعّرف الجودة في مفهومها البسيط بأنها ( تلبية إحتياجات العملاء)، فعلوم الجودة لم تعد تُركز على المنتج أو العملية، بل أصبحت تستهدف تجربة العميل ليس لتلبية متطلباته فحسب، بل لخلق تجربة استثنائية تتجاوز تطلعاته.

ولعلنا لمسنا من أحاديث كثيرة لسمو ولي العهد أنه دائماً ما يرُكز على المواطن السعودي، بل ويراهن عليه فهو حجز الأساس لنجاح الرؤى وتحقيق الإنجازات، لأنه الثمرة الحقيقية للوطن، فكلما كانت تلك الثمرة ناضجة وواعية كلما كانت مفيدة وبذورها قوية لتنبت من الأشجار أجملها.

لقد قامت رؤية مملكتنا الحبيبة على ركائز ثلاث لخصت في مجملها خلق تجربة حياتية استثنائية للمواطن ليعيش في مجتمع حيوي متفاعل ومتناغم يمتاز بالفهم والوسطية والاعتدال، وبطبيعة الحال مجتمع متعافي صحياً ونفسيا وفكرياً. يحتضن ذلك المجتمع وطن طموح محب للحياة متطلع للقمة سباق، يلقي بظلاله على أبنائه، يوفر لهم البيئة الآمنة التي تكون لهم الحصن الحصين. وحتى تبقى شجرة ذلك الوطن عالية وجذورها راسخة وفروعها ضافية لابد أن يكون اقتصادها مزدهرا وينابيعها عذبة وتربتها غنية بما لذ وطاب من خيرات ومعادن.

إن المتمعن في جودة حياتنا اليوم يجد أنها هي الحصن المنيع لصيانة أفكار أبنائه وإغلاق الباب أمام كل الآفات التي قد تقتات على أشجاره وثماره، وتحجب عنا شمس الحياة بظلام التطرف والتشدد. لم تعد تلك المحاولات البائسة تستطيع أن تقاوم رغبة تلك الشجرة في النمو والارتقاء.

فجنتنا اليوم أصبحت زاخرة بمواسم الحصاد ومهرجانات الفرح حتى أصبحت مزارا سياحياً لكل من أراد أن يستظل بظلها ويأكل من ثمرها. وبفضل الله جنتنا أسوارها عالية وأبوابها عليها عيون ساهرة، الدخول اليها سهل والعبث فيها محرم، يكرم فيها الكريم ويحجم فيها السفية ونباح الكلاب خارجها لا يسمع داخلها فصوت خرير المياه وتغريد العصافير يأسر قلوب من فيها.

كل عام والوطن في ألف خير، وكل عام ومواسم الفرح من الرياض إلى جدة من عرعر إلى نجران ومن الجبيل إلى نيوم، تغني وترقص وتحتفي، لأن ثمارها تستحق الإشادة والفرح.