زحفت مكتبة «العقاد» إلى كل أرجاء شقته حتى ضيقت عليه، فهم بشراء شقة أمامه لينول فسحة معها. الكاتب العراقي «علي حسين» كان يحمل كتبه في كل مكان «على السرير، أثناء تناول الطعام، أوقات الاستراحة في المكتبة...» كان يعتبر نفسه محظوظًا كونه عاش بالقرب من المكتبة، يعمل منذ سنٍ صغيرة في مكتبة، فسنحت له فرصة أن ينظر لعوالم الكتب، رفوف مزدحمة بأسماء الفلاسفة والأدباء والعلماء، يختار منهم أصدقاء له (سارتر وطه حسين وهرمان ميلفل ونيتشه) واصفًا ذلك بسعادته الحقيقية. الكتب التي آمن الفلاسفة بإمكانها على أن تمدنا بالسعادة. «يشير الفيلسوف الروماني «سينيكا» إلى «أن الحياة الأكثر سعادة هي أن تعيش مع الكتب». كما يعدها قادرة على أن تتيح لنا التحكم بأهوائنا، وتصحيح الأفكار المغلوطة، و تمنحنا الهدوء. تقول «دونالين ميلر»: «القراءة تجبرك على أن تكون هادئًا في عالم لم يعد يسمح بذلك».
قراء سيئون
يلتزم علي حسين في كتابه (لماذا نقرأ الكتب المملة؟) - الذي يجسد رحلته الطويلة مع الكتب - بإيصال مدى أهمية القراءة. متناولا أكبر التحديات التي تواجه القارئ. وهي (الكتب المملة) التي تتصف بمئات الصفحات. كرواية «البحث عن الزمن المفقود» «لمارسيل بروست». وكتب تتطلب من قارئها قوة التركيز والفهم ككتاب «النسبية» لأينشتاين. معلنًا بأن التخلّي عنها يفقدنا الكثير من الفائدة التي تختزن بها.
يؤكد الكاتب أن هنالك كتب مملة حقًا. ولكن السبب لا يتعلق بالكتاب. بل بالقارئ في تناوله لها. مشيرًا إلى عدة عوامل تؤدي إلى وجود الملل ومنها تأثير السوشال ميديا الذي أدى للاعتياد على مستوى معين من التفاعل الذي أبقى نشاط القراءة مملًا. ومن يعتبر القراءة عملًا روتينيًا «ومثل هذه النوعية من القراءة ستنتهي بنا إلى أن نصبح قراء سيئين». الكتاب هو نتاج عزلة الكاتب ومعاناته في سبيل اكتشاف لمحة من العبقرية في الصفحات التي كتبها والتي سيتحول من خلالها إلى أيقونة أدبية «هكذا وصف الكتاب «جبرا إبراهيم جبرا» الحمد لله عندما شرح له علي حسين حالة الملل التي إصابته وهو يقرأ رواية (الصخب والعنف) «لوليام فوكنر».
في هذا الكتاب يأخذنا الكاتب بجولة حول الكتب التي أضفت عليه الملل وعدم الفهم. مبينًا لنا الأساليب المناسبة في كيفية قراءتها. لنحظى معه في النهاية بقراءةٍ صحية لكل كتاب يقع بين أيدينا.
كتاب اكتشفت معه أنني أبله
«الماضي يتغلغل في الحاضر» الزمن الذي يعتبر من «أكبر الموضوعات التي تقلق الروائيين والشعراء». يتطرق الكاتب في أثر ذلك لقصيدة (الأرض اليباب) «لإليوت» التي تربط صورة الحياة في أوروبا بالعشرينيات من القرن الماضي بالعصور الوسطى. «فالمكان في مستهل القصيدة هو مدينة متخيلة تصبح فيما بعد لندن ثم القدس ثم الإسكندرية ثم أثينا، وفي نهاية القصيدة نجد أوروبا قد تحولت إلى صحراء، والشخصيات تأتي من الزمن الإغريقي لتعيش بيننا كشخصيات من الحاضر».
يعترف شاعر القصيدة بتأثير نظرية النسبية لأينشتاين عليه، التي تعتبر أشبه باللغز في إمكانية فهمها واستيعابها. يروي علي حسين اللحظة الأولى التي رأى فيها غلاف كتاب النسبية. وتجربته معه التي وصفها بالفشل. سائلًا نفسه ما سر الهالة التي تحيط باسم أينشتاين؟ «لقد جاء عنه في الموسوعة البريطانية كأكثر العقول إبداعًا في تاريخ البشرية». «كما أنه في الخمسة عشر سنة الأولى من القرن العشرين قدم سلسلة من النظريات أكدت لأول مرة تساوي الكتلة والطاقة وطرحت أفكارًا جديدة بشأن الفضاء، والزمن، والجاذبية». في المكتبة نجد الكثير من الكتب بصعوبة كتاب النسبية لأينشتاين، التي تجعلنا نلعب دور الأبله في اطلاعنا عليها، لتنتهي تجربتنا معها بالملل. وعلى كل قارئ مهتم في قراءة هذا النوع من الكتب، أن يبدأ بتمهيد عقله لها من خلال الكتب المبسّطة التي توصله إليها. كالكتب المؤلفة من أجل التحدث عنها. ككتاب «أينشتاين والنسبية» للدكتور «مصطفى محمود» وكتاب ألف باء النسبية «لبرتراند راسل» لتسهل لك الدخول إلى عالم أينشتاين.
شقاء الإنسان من دون العقل
رغم ولع الكاتب بكتب الفلسفة. إلا أنه لم يتجرأ في بداية الأمر على الاقتراب من كتب الفيلسوف «إيمانويل كانط» ذات المجلدات الضخمة والعناوين الغريبة، كنقد العقل المجرد، ونقد العقل العملي. حتى أكّد له «زكريا إبراهيم» بأن «كتب كانط رغم صعوبتها هي الفلسفة ذاتها لأنها تحمل في صفحاتها تساؤلات واستفهامات». يصف الكاتب فلسفة كانط بأنها شبيهة «بثورة كوبرنيكوس عندما أخبرنا بأن الارض ليست مركز الكون وإنما الشمس». «وقام بتثوير المفاهيم المعروفة حول الزمان والمكان والمادة وحرية الإرادة ووجود الخالق». ويعتبر كتاب نقد العقل المجرد، كتابًا يتطلب تركيزًا فكريًا قويًا، وقدرة على التحمل والصبر «ولكن لا يمكن لأي مهتم بالفلسفة أن يعفي نفسه من الاطلاع عليه، إنه يلاحقنا عندما يطرح السؤال الأزلي (ما لذي بوسع الإنسان معرفته)» ففي قراءتنا المتعبة والمتأنية لكانط يرى علي حسين بأننا سنكون «قد وضعنا أيدينا على أهم مغزى للتحول الذي أحدثه صاحب ثلاثية العقل».
لا أحد يفسر لك كتابًا ما يكون القارئ في بعض الأحيان مثل دون كيخوته بطل رواية «سيرفانتس». ذلك الفارس «الذي كان يعذّب نفسه في فهم العبارات واستخلاص المعنى من أحشائها» التي اعتبرها الكاتب نموذجًا للقارئ السيئ. متناولًا في كتابه مجموعة من الكتب التي تتطلب من قارئها التركيز والتمهيد لها حتى يستطيع أن يحظى بفائدة منها، ككتب داروين، وتولستوي، وفرويد، وفوكنر، وروايات فيرجينيا وولف وغيرهم. واضعًا في نهاية الكتاب قائمة لمئة كتاب تتصف بالملل والصعوبة، ولكن مهمة جدًا بأن تبقى بالقرب منها.
قدم الدكتور علي كمال نصيحة للكاتب علي حسين عندما شكى له من صعوبة كتاب تفسير الاحلام «لفرويد» قائلًا «لا أحد يستطيع أن يفسر لك كتابًا ما، ستفهم الكتاب عندما تتعثر بين صفحاته».
لماذا نقرأ الكتب المملة؟
المؤلف: علي حسين الناشر: دار المدى سنة الإصدار: 2024 عدد الفصول: 25
1
لا يوجد كتاب ممل ولكن المشكلة في أسلوب تناول الكتاب.
2
بعض الكتب تقرأ بشكل سلس
بعض الكتب تتطلب التأني والتحضير لفهمها.
3
أعظم معرفة تختزن بالكتب الضخمة وتركها من أكبر الخسارات في رحلة كل قارئ.
قراء سيئون
يلتزم علي حسين في كتابه (لماذا نقرأ الكتب المملة؟) - الذي يجسد رحلته الطويلة مع الكتب - بإيصال مدى أهمية القراءة. متناولا أكبر التحديات التي تواجه القارئ. وهي (الكتب المملة) التي تتصف بمئات الصفحات. كرواية «البحث عن الزمن المفقود» «لمارسيل بروست». وكتب تتطلب من قارئها قوة التركيز والفهم ككتاب «النسبية» لأينشتاين. معلنًا بأن التخلّي عنها يفقدنا الكثير من الفائدة التي تختزن بها.
يؤكد الكاتب أن هنالك كتب مملة حقًا. ولكن السبب لا يتعلق بالكتاب. بل بالقارئ في تناوله لها. مشيرًا إلى عدة عوامل تؤدي إلى وجود الملل ومنها تأثير السوشال ميديا الذي أدى للاعتياد على مستوى معين من التفاعل الذي أبقى نشاط القراءة مملًا. ومن يعتبر القراءة عملًا روتينيًا «ومثل هذه النوعية من القراءة ستنتهي بنا إلى أن نصبح قراء سيئين». الكتاب هو نتاج عزلة الكاتب ومعاناته في سبيل اكتشاف لمحة من العبقرية في الصفحات التي كتبها والتي سيتحول من خلالها إلى أيقونة أدبية «هكذا وصف الكتاب «جبرا إبراهيم جبرا» الحمد لله عندما شرح له علي حسين حالة الملل التي إصابته وهو يقرأ رواية (الصخب والعنف) «لوليام فوكنر».
في هذا الكتاب يأخذنا الكاتب بجولة حول الكتب التي أضفت عليه الملل وعدم الفهم. مبينًا لنا الأساليب المناسبة في كيفية قراءتها. لنحظى معه في النهاية بقراءةٍ صحية لكل كتاب يقع بين أيدينا.
كتاب اكتشفت معه أنني أبله
«الماضي يتغلغل في الحاضر» الزمن الذي يعتبر من «أكبر الموضوعات التي تقلق الروائيين والشعراء». يتطرق الكاتب في أثر ذلك لقصيدة (الأرض اليباب) «لإليوت» التي تربط صورة الحياة في أوروبا بالعشرينيات من القرن الماضي بالعصور الوسطى. «فالمكان في مستهل القصيدة هو مدينة متخيلة تصبح فيما بعد لندن ثم القدس ثم الإسكندرية ثم أثينا، وفي نهاية القصيدة نجد أوروبا قد تحولت إلى صحراء، والشخصيات تأتي من الزمن الإغريقي لتعيش بيننا كشخصيات من الحاضر».
يعترف شاعر القصيدة بتأثير نظرية النسبية لأينشتاين عليه، التي تعتبر أشبه باللغز في إمكانية فهمها واستيعابها. يروي علي حسين اللحظة الأولى التي رأى فيها غلاف كتاب النسبية. وتجربته معه التي وصفها بالفشل. سائلًا نفسه ما سر الهالة التي تحيط باسم أينشتاين؟ «لقد جاء عنه في الموسوعة البريطانية كأكثر العقول إبداعًا في تاريخ البشرية». «كما أنه في الخمسة عشر سنة الأولى من القرن العشرين قدم سلسلة من النظريات أكدت لأول مرة تساوي الكتلة والطاقة وطرحت أفكارًا جديدة بشأن الفضاء، والزمن، والجاذبية». في المكتبة نجد الكثير من الكتب بصعوبة كتاب النسبية لأينشتاين، التي تجعلنا نلعب دور الأبله في اطلاعنا عليها، لتنتهي تجربتنا معها بالملل. وعلى كل قارئ مهتم في قراءة هذا النوع من الكتب، أن يبدأ بتمهيد عقله لها من خلال الكتب المبسّطة التي توصله إليها. كالكتب المؤلفة من أجل التحدث عنها. ككتاب «أينشتاين والنسبية» للدكتور «مصطفى محمود» وكتاب ألف باء النسبية «لبرتراند راسل» لتسهل لك الدخول إلى عالم أينشتاين.
شقاء الإنسان من دون العقل
رغم ولع الكاتب بكتب الفلسفة. إلا أنه لم يتجرأ في بداية الأمر على الاقتراب من كتب الفيلسوف «إيمانويل كانط» ذات المجلدات الضخمة والعناوين الغريبة، كنقد العقل المجرد، ونقد العقل العملي. حتى أكّد له «زكريا إبراهيم» بأن «كتب كانط رغم صعوبتها هي الفلسفة ذاتها لأنها تحمل في صفحاتها تساؤلات واستفهامات». يصف الكاتب فلسفة كانط بأنها شبيهة «بثورة كوبرنيكوس عندما أخبرنا بأن الارض ليست مركز الكون وإنما الشمس». «وقام بتثوير المفاهيم المعروفة حول الزمان والمكان والمادة وحرية الإرادة ووجود الخالق». ويعتبر كتاب نقد العقل المجرد، كتابًا يتطلب تركيزًا فكريًا قويًا، وقدرة على التحمل والصبر «ولكن لا يمكن لأي مهتم بالفلسفة أن يعفي نفسه من الاطلاع عليه، إنه يلاحقنا عندما يطرح السؤال الأزلي (ما لذي بوسع الإنسان معرفته)» ففي قراءتنا المتعبة والمتأنية لكانط يرى علي حسين بأننا سنكون «قد وضعنا أيدينا على أهم مغزى للتحول الذي أحدثه صاحب ثلاثية العقل».
لا أحد يفسر لك كتابًا ما يكون القارئ في بعض الأحيان مثل دون كيخوته بطل رواية «سيرفانتس». ذلك الفارس «الذي كان يعذّب نفسه في فهم العبارات واستخلاص المعنى من أحشائها» التي اعتبرها الكاتب نموذجًا للقارئ السيئ. متناولًا في كتابه مجموعة من الكتب التي تتطلب من قارئها التركيز والتمهيد لها حتى يستطيع أن يحظى بفائدة منها، ككتب داروين، وتولستوي، وفرويد، وفوكنر، وروايات فيرجينيا وولف وغيرهم. واضعًا في نهاية الكتاب قائمة لمئة كتاب تتصف بالملل والصعوبة، ولكن مهمة جدًا بأن تبقى بالقرب منها.
قدم الدكتور علي كمال نصيحة للكاتب علي حسين عندما شكى له من صعوبة كتاب تفسير الاحلام «لفرويد» قائلًا «لا أحد يستطيع أن يفسر لك كتابًا ما، ستفهم الكتاب عندما تتعثر بين صفحاته».
لماذا نقرأ الكتب المملة؟
المؤلف: علي حسين الناشر: دار المدى سنة الإصدار: 2024 عدد الفصول: 25
1
لا يوجد كتاب ممل ولكن المشكلة في أسلوب تناول الكتاب.
2
بعض الكتب تقرأ بشكل سلس
بعض الكتب تتطلب التأني والتحضير لفهمها.
3
أعظم معرفة تختزن بالكتب الضخمة وتركها من أكبر الخسارات في رحلة كل قارئ.