هادي اليامي

احتفلت الأوساط القانونية في المملكة كما فعلت بقية دول العالم خلال الأيام الماضية باليوم العالمي للقانون الذي يوافق الثالث عشر من سبتمبر من كل عام، إذ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم في عام 1958 لتعزيز الوعي بأهمية سيادة القانون وتأكيد دوره الأساسي في تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.

ويجيء الاحتفال هذا العام في الوقت الذي قطعت فيه بلادنا خطوات جادة نحو تطوير البيئة القانونية من خلال استحداث وإصلاح الأنظمة، وترسيخ مبادئ العدالة والشفافية، والالتزام بالمعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان والنظم القانونية، وتحقيق العدل والنزاهة والمساواة والشفافية، وتعزيز سيادة القانون وتأكيد دوره في جميع جوانب الحياة العامة، وضرورة احتكام الناس للقوانين المنظمة لحياتهم. كل ذلك يتم وفق رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى تحقيق تحسين شامل في جميع المجالات، بما في ذلك تعزيز النظام القضائي والشفافية في الإجراءات القانونية.

وتزامن الاحتفال مع صدور قرار في غاية الأهمية نصّ على قبول الطلاب الوافدين المنتهية إقاماتهم والمقيمين بشكل غير نظامي ممن تم تسجيل بصماتهم في وزارة الداخلية في المدارس كافة بشكل مجاني ودون أي رسوم مالية.

هذا القرار التاريخي أكد بوضوح النظرة الإنسانية التي انطلق منها صاحب الصلاحية، الذي تعامل مع قضية التعليم على أنه حق من حقوق الإنسان الأساسية، بغض النظر عن جنسيته أو وضعه القانوني أو أي اعتبارات أخرى، وأن الأطفال والطلاب لا ينبغي أن يتحملوا أخطاء عائليهم أو يدفعوا ثمن عدم تصحيح أوضاعهم القانونية.

وتوضح نظرة سريعة للمعاني الكثيرة التي يتضمنها القرار حجم الجهد المبذول خلال السنوات الماضية، والاهتمام غير المحدود الذي تحظى به منظومة حقوق الإنسان من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، اللذين أوليا اهتمامًا كبيرًا لتطوير وإرساء وحماية هذه الحقوق، وعدم اقتصارها على المواطنين فقط، وتعميمها لتشمل المقيمين على أراضي السعودية، وهو ما منح المملكة مراكز متقدمة في التصنيفات والمؤشرات العالمية، وحصلت بموجبها على إشادة وتقدير الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية.

هذا الإصرار السعودي على توسيع مظلة حقوق الإنسان لم يكن وليد اللحظة أو استجابة لطارئ، بل يمثل جزءاً أساسياً من دستور الدولة وتشريعاتها وقوانينها ونظامها الأساسي منذ قيامها. فقد اهتمت السعودية منذ وقت مبكر بالتعليم على اعتبار أنه من أبرز حقوق الإنسان، فالتعليم حق أساسي مُتاح لجميع الطلاب لتنمية مهاراتهم ومساعدتهم على الخروج من دائرة الفقر، وتحقيق المساواة، وتمكين المرأة.

ونظرة بسيطة للإحصاءات الرسمية توضح ما قدمته المملكة من تسهيلات للمقيمين على أرضها، حيث يتجاوز عدد الطلاب الوافدين في المدارس والجامعات الحكومية مليون ونصف طالب يتمتعون بكافة الخدمات كغيرهم من الطلاب السعوديين من دون مقابل، فيما يزيد عدد المدارس الخاصة بالجاليات والتي توفر المناهج الأجنبية على بضعة آلاف يتم تدريس أكثر من 20 منهجًا مختلفًا، فهل هناك دولة أخرى في العالم تتيح مثل هذه التسهيلات مجانًا وبلا مقابل؟

ومما يلفت النظر في التعديلات العديدة التي تقوم بها السعودية لتحسين وترقية منظومتها القضائية والتشريعية واستكمال النواقص لاستيفاء متطلبات التوقيع على عديد من العهود والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان أنها تتم وفق رؤية متبصرة وتراعي واقع المجتمع واحتياجاته الفعلية، بعيدًا عن التسرع والعجلة، لأنها تنبع من رغبة داخلية، وتأتي استجابة لرغبات المواطنين وتطلعاتهم، وليس لإرضاء الخارج أو استجابة لأي نوع من الضغوط أو المزايدات السياسية.

وخلال أزمة كورونا التي عايشها العالم خلال الفترة الماضية ضربت المملكة أروع الأمثال في رعاية المقيمين على أرضها، حيث ساوت بينهم وبين المواطنين وتعاملت معهم بلا تفرقة ومنحتهم الحق الكامل في تلقي العلاج المجاني في المؤسسات الطبية أسوة بالمواطنين السعوديين، في الوقت الذي سارعت فيه كثير من الدول التي تتظاهر باحترام حقوق الإنسان للعناية بمواطنيها ومنحهم الأولوية على من سواهم من المهاجرين واللاجئين.

لذلك فإن القرار الجديد القاضي بتمكين أبناء الوافدين المخالفين لأنظمة الإقامة من الدراسة في مدارس التعليم السعودية من دون أي أعباء دراسية يعتبر ردًا بليغًا على من أدمنوا الهجوم على هذه البلاد المعطاءة ورميها بكافة أنواع الاتهامات الملفقة، ولكن السعودية ظلت تتغاضى عن تخرصات المتصيدين وترهاتهم ولا تلقي لها بالًا، وتمد يديها بالعطاء للجميع، وتثبت في كل يوم أنها بحق مملكة الإنسانية التي لا تنتظر شكرًا من أحد، بل تقوم بواجبها الأخلاقي بكل رحابة صدر انطلاقًا من مكانتها السامية التي ميزها بها الله تعالى عندما جعلها كبيرة العرب وقائدة العالم الإسلامي.

لذلك فإن ما أنجزته المملكة في هذا الجانب يدعو للفخر والاعتزاز، حيث لم تكتفِ برفع الشعارات مثل كثير من الدول، بل حرصت على تجسيد ما التزمت به إلى أفعال على أرض الواقع، فها هي المملكة العربية السعودية تقرن الأقوال بالأفعال، وتؤكد من جديد أن النهج الذي أعلنته بتعزيز حقوق الإنسان وكفالتها هو نهج حقيقي نابع من إرادة شعبها وتصميم قيادتها، وأنها تسير على هذا الطريق الذي اختارته لنفسها، وتقطع في كل يوم خطوات واسعة في مسيرتها المباركة.