الرياض : الوطن

أشاد صندوق النقد الدولي بالتحول الاقتصادي غير المسبوق في المملكة بما في ذلك إصلاحات المالية العامة والبيئة التنظيمية للأعمال، وذلك بعد مشاورات المادة الرابعة مع المملكة.

وأشار خبراء صندوق النقد الدولي إلى أن النشاط الاقتصادي في المملكة لا يزال قويًا على الرغم من تراجع نمو الناتج المحلي النفطي، كما أكدوا بأن تأثير التوترات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط على المملكة محدود، وذلك بفضل محدودية انكشاف الأنشطة التجارية والمالية على المناطق المتأثرة بهذه التوترات واستمرارية عمليات الشحن وعدم انقطاعها،

وجاءت تفاصيل التقرير على النحو التالي:

يحرز التحول الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده المملكة العربية السعودية تقدما كبيرا في الوقت الحالي. وقد ساعدت السياسات الاقتصادية الكلية الاحترازية، والتغيرات التي أحدثت تحولات – بما في ذلك من خلال الإصلاحات في المالية العامة وفي البيئة التنظيمية للأعمال، وقوة الطلب المحلي على إعطاء دفعة للنمو غير النفطي. ويظل التضخم قيد الاحتواء. ولا تزال عملية إعادة ترتيب أولويات الإنفاق وتعديل برامج الإنفاق الكبرى جارية. وقد بدأت الجهود الرامية إلى تنويع الأنشطة الاقتصادية تؤتي ثمارها. وبناء على هذه النجاحات، سيكون من المهم الحفاظ على زخم النمو غير النفطي واستقرار القطاع المالي، ومواصلة التخفيف من حدة مخاطر فورة النشاط الاقتصادي، وعكس مسار تراجع الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج، وضمان العدالة بين الأجيال.

التطورات الاقتصادية الأخيرة

لا يزال النشاط الاقتصادي قويا. وقد تباطأ النمو غير النفطي الحقيقي من 5,3% في عام 2022 إلى 3,8% في عام 2023، وهي نسبة لا تزال قوية، مدعوما غالبا بالاستهلاك الخاص والاستثمارات غير النفطية، مع تراجع هذا النوع من الاستثمارات إلى 11,5% (هبوطا من نمو استثنائي بلغ 32% في عام 2022). وسجل إجمالي الناتج المحلي النفطي انكماشا بنسبة 9% في عام 2023، وهو ما يُعزى بصفة أساسية إلى التزامات المملكة بمقتضى اتفاق “أوبك+” والخفض الطوعي لإنتاج النفط، مما أدى إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الكلي بنسبة 0,8%. وفي حين يشير النمو غير النفطي في الربع الأول من عام 2024 إلى بعض التراجع في النشاط الاقتصادي – يقدر خبراء الصندوق أن فجوة الناتج تظل في معدلات موجبة، بما يقرب من 2% من من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي المحتمل. وقد تمكن الاقتصاد من تجاوز التوترات الجغرافية-السياسية في منطقة الشرق الأوسط بشكل جيد، وذلك بفضل محدودية انكشاف الأنشطة التجارية والمالية للمخاطر المتأتية من المناطق المتأثرة بهذه التوترات وعدم انقطاع عمليات الشحن.

وفي السياق نفسه، سجَّل معدل البطالة انخفاضات تاريخية. ففي عام 2023، أضاف الاقتصاد السعودي أكثر من مليون وظيفة جديدة، في القطاع الخاص بصفة أساسية. وقد انخفض معدل البطالة الكلي بين السعوديين إلى 7,7% في الربع الأخير من عام 2023 – مقتربا من بلوغ هدف 7% المحدد في رؤية السعودية 2030. وظلت معدلات المشاركة في سوق العمل في مستويات مرتفعة تاريخيا، وإن كانت ثابتة نسبيا على مدى السنة الماضية لكل من الرجال والنساء، على الرغم من أن معدل مشاركة المرأة لا يزال يتجاوز المستهدف في رؤية السعودية 2030، الذي يبلغ 30%، بشكل مريح.

وقد تباطأ التضخم الكلي بسرعة على الرغم من وجود بعض مواطن الضغط. فبعد أن بلغ التضخم على أساس سنوي ذروته بنسبة 3,4% في يناير 2023، تراجع إلى 1,6% في إبريل 2024، مدفوعا بارتفاع سعر الصرف الفعلي الاسمي. إلا أن أسعار الإيجارات آخذة في التزايد بمعدل سريع يبلغ نحو 10% في ظل تدفقات العمال الأجانب إلى البلاد والخطط الكبيرة لإعادة التطوير في الرياض وجدة. وقد ارتفعت أيضا أسعار الجملة في الآونة الأخيرة في انعكاس لزيادة تكاليف المدخلات. وحتى يومنا هذا، لوحظت بعض الزيادة في أجور العمالة الماهرة.

من جهة أخرى، سجل فائض الحساب الجاري تراجعا كبيرا. وبصفة أساسية، جاء تراجع فائض الحساب الجاري، من 13,7% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2022 إلى 3,2% في عام 2023، انعكاسا لانخفاض الصادرات النفطية وللنمو القوي في الواردات ذات الصلة بالاستثمار. وقد خفف وجود فائض قياسي في ميزان الخدمات، بما في ذلك زيادة بنسبة 38% في صافي دخل السياحة، من حدة هذا التراجع إلى حد ما. وبلغت حيازة البنك المركزي السعودي (ساما) من صافي الأصول الأجنبية 423,7 مليار دولار في إبريل 2024، وهو رقم أعلى قليلا من مستواه في نهاية عام 2023. ولا تزال الاحتياطات كبيرة، حيث تمثل 15,6 شهر من الواردات و208% على مقياس صندوق النقد الدولي لكفاية الاحتياطيات في نهاية عام 2023.

الآفاق والمخاطر الاقتصادية

يرحب خبراء صندوق النقد الدولي بالعملية الأخيرة لتعديل متطلبات التمويل المتعلقة بأهداف رؤية السعودية 2030. وقد أدى تطبيق التعديل إلى إعادة ترتيب أولويات الإنفاق عن طريق زيادة وتيرة تنفيذ بعض المشروعات والاستراتيجيات القطاعية، وتمديد الجدول الزمني لمشروعات أخرى. وهذه العملية ستساعد على ضمان التسلسل المناسب للإنفاق الموجه إلى الحد من مخاطر فورة النشاط الاقتصادي والحفاظ على استدامة المالية العامة والمركز الخارجي. ويرى خبراء الصندوق بضرورة الإعلان عن الانعكاسات الأساسية لهذه العملية – لا سيما على الإنفاق والأولويات القطاعية حتى عام 2030 – للمساعدة في توضيح أولويات الحكومة للمستثمرين والجمهور.

ومن المتوقع أن يظل الطلب المحلي الدافع الرئيسي للنشاط الاقتصادي. ويُتوقع أن يبلغ النمو غير النفطي نحو 3,5% في عام 2024، مع تراجع نمو الاستثمار قبل أن يرتفع في عام 2025 وما بعده، بفضل صندوق الثروة السيادي (صندوق الاستثمارات العامة) وفي الفترة السابقة على بطولة كأس آسيا 2027، والألعاب الشتوية الآسيوية 2029، ومعرض “إكسبو” العالمي 2030، من بين عوامل أخرى. ومن المتوقع أيضا انكماش الناتج النفطي بنسبة 4,6% في عام 2024، وارتفاعه بنسبة 5,1% في عام 2025، نتيجة تمديد خفض إنتاج النفط في عام 2024 وتعافى الإنتاج تدريجيا إلى 10 ملايين برميل يوميا في عام 2025. وفي ظل هذه الافتراضات، ستزيد وتيرة نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي ليبلغ نحو 4,5% في عام 2025 قبل أن يستقر عند نسبة 3,5% سنويا على المدى المتوسط.

بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن يظل معدل التضخم ثابتا عند نسبة 1,9% في عام 2024، مدعوما بربط العملة بالدولار الأمريكي، دولار أمريكي قوي في الواقع، على نحو يتسم بالمصداقية، وسياسات محلية داعمة. ومن المتوقع أيضا احتواء الضغوط التضخمية عن طريق الدعم المحلي ومرونة عرض العمالة الوافدة، على الرغم من التوقعات بوجود فجوة موجبة في الناتج على المدى المتوسط.

وتظل هوامش الأمان الخارجية كبيرة على الرغم من تراجع ميزان الحساب الجاري. ومن المتوقع أن يسجل الحساب الجاري عجزا في عام 2024، يبلغ في المتوسط حوالي 2,3% من إجمالي الناتج المحلي ما بين عامي 2026 و2029، بسبب انخفاض عائدات صادرات النفط وزيادة الواردات ذات الصلة بالاستثمار. وستظل الاحتياطيات الدولية كبيرة، بمتوسط 13 شهرا من تغطية الواردات على المدى المتوسط. وتوفر الأصول الأجنبية في حيازة صندوق الثروة السيادي والكيانات الأخرى المرتبطة بالحكومة مزيدا من هوامش الأمان القوية.

وتتسم المخاطر المحيطة بآفاق النمو بأنها متوازنة بوجه عام في ظل ارتفاع درجة عدم اليقين. فعلى الجانب الإيجابي، يمكن للتنفيذ السريع للإصلاحات والاستثمارات أن يحقق مكاسب نمو أقوى أو في وقت أقرب من المتوقع. وعلى العكس من ذلك، يمكن أن تؤدي الضغوط الرامية إلى تسريع وتيرة الاستثمارات إلى زيادة مخاطر فورة النشاط الاقتصادي. وعلى الجانب السلبي، فإن الخروج عن مسار جدول أعمال الإصلاح، وتباطؤ النشاط العالمي، وتقلبات الأسواق المالية، والأحداث الجغرافية-السياسية، ونمو العرض من البلدان غير الأعضاء في أوبك+ تمثل جميعا مخاطر رئيسية. وعلى المدى المتوسط إلى المدى الطويل، يمكن لتحول أسرع في الطلب عن الوقود الأحفوري أن يعرقل النمو.

السياسات

سياسة المالية العامة

بعد تحقيق فائض للمرة الأولى خلال تسع سنوات في عام 2022، تأرجح رصيد المالية العامة ليسجل عجزا في عام 2023. وقد تفاقم العجز الأولي غير النفطي إلى 33% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي في عام 2023، وذلك من 32,2% في عام 2022، انعكاسا بصفة أساسية لتركيز بعض الإنفاق الرأسمالي وتسارعه. وتحول رصيد المالية العامة الكلي إلى عجز بسبب تراجع الإيرادات النفطية بنسبة 12% على الرغم من قيام شركة أرامكو بتوزيع جديد للأرباح مرتبط بالأداء بما يقرب من 2% من إجمالي الناتج المحلي. ويظل الدين العام، بنسبة 26,2% من إجمالي الناتج المحلي (منذ نهاية عام 2023)، منخفضا وفي حدود يمكن الاستمرار في تحملها.

ومن المتوقع أن يزداد اتساع عجز المالية العامة الكلي في هذا العام. وفي حين تتوقع ميزانية عام 2024 أن يستقر العجز الكلي عند أقل قليلا من 2% من إجمالي الناتج المحلي، فإن انخفاض الإيرادات المقدَّر بسبب مد فترة خفض إنتاج النفط مقترنا بتجاوز حدود الإنفاق – وهو ما ظهر من خلال زيادة كبيرة في الإنفاق في الربع الأول من العام – يمكن أن يدفع العجز الكلي إلى نحو 3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024. وتستلزم توقعات الإيرادات دعما مستمرا من شركة أرامكو، بما في ذلك عن طريق توزيعات الأرباح المرتبطة بالأداء.

وعلى المدى المتوسط، يمكن أن يبلغ عجز المالية العامة الكلي 2,5-3% من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط. ويتضمن هذا الوضع – الذي يفترض عدم وجود أي تدابير جديدة على جانب الإيرادات – أحدث خطط الحكومة للإنفاق، التي تشمل استثمارا مستداما يظل (في المتوسط) أعلى بنسبة 23,7% من مسار الإنفاق المتوخى في مشاورات المادة الرابعة السابقة. غير أنه في ظل السياسات الحالية سوف ينخفض العجز الأولي غير النفطي بنسبة 8,4% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2029. وسيتحقق هذا الأمر بصفة أساسية عن طريق خفض الإنفاق الجاري، غالبا من خلال الأجور واستخدام السلع والخدمات. وعلى مدى أفق التنبؤ، من المتوقع أن تظل ودائع الحكومة المركزية لدى البنك المركزي السعودي أعلى من 10% من إجمالي الناتج المحلي، في حين يواصل الاقتراض الأجنبي الاضطلاع بدور رئيسي في تمويل العجز – وهو ما يؤدي إلى أن تبلغ نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي نحو 35% بحلول عام 2029.

وسيكون اتخاذ تدابير إضافية لضبط أوضاع المالية العامة مبرَّرا لتحقيق العدالة بين الأجيال وتوفير هوامش أمان للتخفيف من حدة المخاطر.

ويمكن أن يتطلب تحقيق استقرار نسبة صافي الأصول المالية للحكومة المركزية مزيدا من التقدم على مستوى تعبئة الإيرادات غير النفطية: بناء على الجهود التي بُذلت في السنوات السابقة، يتعين وضع استراتيجية شاملة للإيرادات على المدى المتوسط وتحديد التدابير المتعلقة بالسياسة الضريبية من أجل سد الفجوة الضريبية التي تبلغ 9% مقارنة بمتوسط مجموعة العشرين. وترحب البعثة بالجهود التي تبذلها السلطات الوطنية لمراجعة نظم الحوافز الحالية لضمان ألا يؤدي دخول الحد الأدنى العالمي من الركيزة الضريبية الثانية حيز النفاذ إلى تسرب ضريبي إلى مناطق اختصاص أخرى. وينبغي تجنب حالات العفو الضريبي، بما في ذلك عن طريق إعادة النظر في توسيع نطاق التنازل عن الغرامات الضريبية. وينبغي للإصلاحات في مجال السياسة الضريبية أن تُستكمل بمزيد من التحسينات في الإدارة الضريبية، وهو ما تم تعزيزه في العام الماضي عن طريق نظام الفوترة الإلكترونية.

ترشيد الدعم

عند تجاوز 5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023، يمثل دعم الوقود – الذي يُقاس بوصفه مدفوعات تعويضية لشركة أرامكو – عبئا كبيرا على الميزانية على الرغم من حدوث انخفاض طفيف في عام 2023. وقد خففت برامج شبكة الأمان الاجتماعي القائمة (مثل برنامج “حساب المواطن”) حدة تأثير الزيادة الأخيرة في أسعار الطاقة – مثل الزيادة في أسعار الديزل التي بلغت 53% في يناير 2024 – على الفئات الأكثر تعرضا للمخاطر. وينبغي تكثيف الجهود لإلغاء دعم الطاقة تدريجيا، بما في ذلك عن طريق رفع الحد الأقصى الحالي لأسعار البنزين، مع استفادة الفئات الأكثر تعرضا للمخاطر من زيادة اللجوء إلى البرامج الاجتماعية الموجهة على نحو أفضل إلى الفئات المستحقة، مثل برنامج “ضمان”.

ترشيد أوجه الإنفاق الأخرى: يظل احتواء فاتورة الأجور الدافع الرئيسي لتقييد الإنفاق على المدى المتوسط. وتساعد العمليات الجارية لمراجعة الإنفاق على تحديد مجالات الوفورات أو مكاسب الكفاءة المحتملة. وفي ظل زيادة الإنفاق على المشاريع الكبرى، يظل ضمان مزيد من الكفاءة في الاستثمار العام أمرا بالغ الأهمية.

وستكون الجهود الجديرة بالترحيب التي تبذلها الحكومة لتعزيز مؤسسات المالية العامة ضرورية لضمان إحراز تقدم نحو تحقيق أهداف المملكة العربية السعودية للنمو والاستقرار. وينبغي لتنفيذ قاعدة للمالية العامة، تتضمن آلية مزدوجة تتألف من حد أقصى لنمو النفقات وهدف لصافي الأصول المالية للحكومة المركزية، أن يساعد على الحد من تزامن الإنفاق من الميزانية مع تقلبات أسعار النفط الدولية. ويظل تعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل أمرا ضروريا، بما في ذلك عن طريق إعداد تنبؤات أكثر واقعية بشأن الإيرادات تشمل مبادرات الإيرادات متعددة السنوات وعمليات متسقة لتحديد التكلفة.

بالإضافة إلى ذلك، ينبغي تعجيل وتيرة التقدم المحرز في الآونة الأخيرة في وضع إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية. وتتولى لجنة مراقبة أُنشئت مؤخرا، برئاسة وزير المالية، قيادة عمليات هذا الإطار بين المؤسسات. وفي نهاية عام 2023، أُنشئت ميزانية عمومية للقطاع العام من أجل الأصول والخصوم المالية. وينبغي للمرحلة التالية، المتوقع أن تُستكمل بحلول نهاية عام 2024، أن تشمل أصولا غير مالية تُكملها في نهاية المطاف بنود خارج الميزانية العمومية (مثل الضمانات). ومع تزايد عدد الكيانات المرتبطة بالحكومة التي يمكنها النفاذ إلى أسواق رأس المال وزيادة نسبة الرفع المالي لمساندة أهداف رؤية السعودية 2030، يمكن لتنفيذ هذا الإطار أن يساعد السلطات الوطنية على متابعة حالات تعرض الميزانية العمومية السيادية للمخاطر وتقييم الالتزامات الاستثمارية المستقبلية بطريقة شاملة.

السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف

تراجعت وتيرة التوسع النقدي نتيجة زيادة تشديد موقف السياسة النقدية. فبفضل الإجراءات الفعالة التي اتخذها البنك المركزي السعودي (ساما)، استقرت أوضاع السيولة، في حين دفعت زيادة أسعار الفائدة حدوث تحول كبير في تكوين المعروض النقدي نحو الودائع لأجل والودائع الادخارية. وتوسعت إدارة الودائع العامة في عام 2023 بفضل استحداث آلية قائمة على المزادات للاحتفاظ بهذه الودائع في البنوك التجارية، مع عمل البنك المركزي باعتباره وكيلا للحكومة لشؤون المالية العامة.

ولا يزال من الملائم استمرار العمل بنظام ربط العملة المحلية بالدولار الأمريكي. وقد وفر نظام سعر الصرف ركيزة ذات مصداقية للسياسة النقدية، وهو مدعوم بهوامش أمان خارجية كبيرة. وبوجود حساب رأسمالي مفتوح، من الأهمية بمكان أن تواصل أسعار الفائدة الأساسية التي يطبقها البنك المركزي السعودي التحرك تماشيا مع أسعار الفائدة الأساسية التي يحددها نظام الاحتياطي الفيدرالي، بحيث تضمن علاوات المخاطر الوصول إلى مستوى من فروق أسعار الفائدة يتسق مع نظام ربط سعر الصرف. ويمكن أن يكون استمرار استخدام أدوات السياسة النقدية القائمة على السوق أمرا ضروريا، وأيضا تحسين التنبؤ بالسيولة وإدارتها عن طريق تعزيز عملية جمع البنك المركزي السعودي البيانات من الكيانات الحكومية، وتوسيع إطار متطلبات الاحتياطي الإلزامي. وذلك من شأنه أن يعزز الفعالية في عمل سوق المال بين البنوك.

سياسات القطاع المالي

لا يزال الجهاز المصرفي على مسار قوي. وتتسم مؤشرات أداء البنوك بالقوة، مع تجاوز نسبة كفاية رأس المال 20%، وارتفاع معدلات الربحية والسيولة، وانخفاض مستوى القروض المتعثرة. وعلى الرغم من تراجعه في الآونة الأخيرة، يواصل نمو الائتمان المصرفي – لقطاع الشركات بصفة أساسية – تجاوز نمو الودائع، ومن المتوقع أن يظل في حدود 10% في عام 2024. ويمكن للترابط المتزايد في الميزانيات العمومية بين المؤسسات المالية والكيانات السيادية أن يضَخِّم الصدمات النظامية، بما في ذلك من خلال تقلبات أسعار النفط. وعلى الرغم من ذلك، توضح اختبارات القدرة على تحمل الضغوط التي أجراها برنامج تقييم القطاع المالي أن البنوك وأيضا الشركات غير المالية لديها القدرة على تحمل الصدمات حتى في ظل سيناريو حاد وسلبي.

في هذا السياق، فإن الجهود المتواصلة التي تبذلها البنك المركزي السعودي لتحديث الأطر التنظيمية والرقابية مهمة لضمان الاستقرار المالي. ويظل تقديم قانون المصارف الجديد للسلطات التشريعية من الأولويات. وينبغي أيضا تنقيح الأدلة والإجراءات الرقابية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الدولية. وقد أحرزت البنك المركزي السعودي تقدما جيدا في وضع ترتيبات فعالة لإطار شبكة الأمان المالي (تسوية الأوضاع المصرفية وإدارة الأزمات، وترتيبات مساعدات السيولة الطارئة، وصندوق حماية الودائع)، ونحث السلطات على استكمال الجهود الجارية.

وينبغي للبنك المركزي السعودي مواصلة استخدام أدوات السلامة الاحترازية الكلية لدرء المخاطر المحتملة الناجمة عن طفرة الإقراض. والبنوك ذات مستويات الرسملة الجيدة، والدعم الحكومي، والقروض العقارية الكاملة مع حق الرجوع على المقترض، والنسبة الحالية للقروض إلى القيمة، وحدود نسبة أعباء الديون تنطوي جميعها على مخاطر بسبب النمو السريع في الإقراض العقاري. وللاستمرار في الحد من المخاطر مستقبلا، ينبغي للبنك المركزي السعودي أن يبني على جهوده لتعزيز إطار السلامة الاحترازية الكلية لديه، وذلك بوسائل منها توفير هامش أمان رأس مالي موجب ومحايد مضاد للتقلبات الدورية. ألا أنه إذا استمر نمو الائتمان المتزايد أو شهد مزيدا من الارتفاع مع تسارع وتيرة تنفيذ مشروع رؤية السعودية 2030، فإنه ينبغي للسلطات الوطنية النظر في إعادة تقييم النسبة الحالية للقروض إلى القيمة وحدود عبء الدين، وتشديد المبدأ التوجيهي بشأن نسبة القروض إلى الودائع و/أو الحد من الحوافز للاعتماد على أنواع التمويل من مصادر أخرى بخلاف الودائع. ويمكن لتحسين عملية مراقبة المخاطر أن تتطلب أيضا سد الفجوات القائمة في البيانات، بما في ذلك عن طريق وضع مؤشر موثوق لأسعار المساكن ومراقبة حالات تعرض البنوك لمخاطر المشروعات الضخمة.

السياسات الهيكلية

تشهد الإصلاحات الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال في المملكة العربية السعودية وجاذبيتها للاستثمار الأجنبي تقدما جيدا. فقد تقدمت المملكة 15 درجة في تقرير التنافسية الرقمية العالمية الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) في عامين، وحصلت بذلك على المرتبة السابعة عشرة عالميا في عام 2023. وقد سجل عدد تصاريح الاستثمار الأجنبي الصادرة رقما قياسيا، حيث تضاعف العدد تقريبا عن مستواه في عام 2022. كما أن القانون الذي أُقِر مؤخرا بشأن المعاملات المدنية، والاعتماد المنتظر لقانون المعاملات التجارية وقانون الاستثمار سيوفران استقرارا تنظيميا ويحسنان أداء السوق. ويمكن مواصلة تعزيز نمو القطاع الخاص والمساعدة على جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر والمساهمة في نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج من خلال العمل الجاري لإعطاء دفعة لرأس المال البشري في ظل برنامج تنمية رأس المال البشري، ومواصلة زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، واتخاذ خطوات كبيرة في عملية التحول الرقمي والجاهزية للذكاء الاصطناعي، وترشيد الرسوم والضرائب، وزيادة إمكانية الحصول على الأراضي والتمويل، وتعزيز الحوكمة.

وينبغي للسياسات الصناعية التي وضعتها السلطات الوطنية أن تظل مكملة لجدول أعمال الإصلاح الهيكلي. وتهدف الاستراتيجية الوطنية للصناعة في المملكة العربية السعودية إلى الحد من اعتماد المملكة على الهيدروكربونات من خلال عمليات التدخل الموجهة، وتوفير الحوافز، وإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة. وينبغي مواصلة تقليص المخاطر المقترنة بعمليات التدخل إلى أدنى حد عن طريق معالجة إخفاقات السوق الحالية، مع التركيز بصفة خاصة على التوجه نحو التصدير، وتجنب الممارسات التمييزية في الوقت نفسه. وينبغي تقييم العمليات التي تجري داخل المناطق الاقتصادية الخاصة بانتظام لضمان فعالية روابطها بالاقتصاد الأوسع، وذلك بوسائل منها النهوض بالمستوى التكنولوجي وتدريب أصحاب المهارات. والجهود المتواصلة التي تبذلها السلطات الوطنية لمراقبة الحوافز الضريبية، وخطط إدراج معايير صارمة لإلغاء الإعفاءات، ووضع آليات للعدول عنها، وتطبيق شروط البطلان التلقائي، وربط الحوافز بنطاق زمني محدد أمور ضرورية للحد من المخاطر إلى أدنى مستوى.

وتظل المملكة العربية السعودية ملتزمة بالوصول بصافي الانبعاثات إلى مستوى الصفر بحلول عام 2060. وتواصل السلطات الوطنية الاستثمار في الطاقة المتجددة، وكفاءة استهلاك الطاقة، والهيدروجين النظيف، وتكنولوجيات احتجاز الكربون. ومن شأن حساب التكلفة بوضوح ووضع تفاصيل المبادرات المحددة المرتبطة بكل هدف أن يساعدا على تقييم التقدم والتعديل اللازم للحد من الانبعاثات بما يتماشى مع المساهمات المحددة وطنيا الخاصة بالمملكة. ويمكن أن يؤدي إلغاء دعم الطاقة إلى تحفيز الحفاظ على الطاقة وتحسين عائد الاستثمار في أنواع الطاقة المتجددة. وسيكون تعزيز محفظة التمويل الأخضر النشطة – وذلك بطرق منها تنفيذ إطار التمويل الأخضر الذي أُعلن في مارس 2024، وأيضا عن طريق أول إصدار لسند سيادي أخضر مقرر في العام الجاري – أمرا بالغ الأهمية لتعبئة رأس المال الخاص.