هيفاء الدعلان

«بسم الله وعلى بركة الله.. حلق فوق أغلى أرض»، العبارة التي ستظل راسخة في أذهان السعوديين بعد أن قالها سمو ولي العهد «وزير الدفاع في حينه»، الأمير محمد بن سلمان، وهو يتحدث من قاعدة الملك عبدالعزيز عبر جهاز اللاسلكي، مخاطبًا الطيار الذي يستقل أول طائرة تدريب عسكرية تم تجميعها محليًا، وعقبها سلسلة من النجاحات والأحداث العالمية غير المسبوقة.

إن وجود شخصية قيادية كالأمير محمد بن سلمان، في مشاهد عالم الأعمال المتسارع، وفي سياقاته ومنظماته يبرز مفهوم الريادة الإستراتيجية كمفتاح للنجاح والابتكار، وليست مجرد كلمة رنانة في معجم الأعمال، وإنما مقاربة فعالة تجمع بين القيادة الحكيمة والتخطيط الإستراتيجي لتحقيق أهداف طويلة الأمد.

من خلال تحليل عقلية ولي العهد الفذة، ودراسة قراراته نرى أن الريادة الإستراتيجية ليست مجرد مهارة، بل هي منهجية شاملة تتطلب فهمًا عميقًا للعمل والبيئة المحيطة، بالإضافة إلى القدرة على التكيف والابتكار في عالم يتسم بالتغيير المستمر والتحديات المعقدة.

لهذا يصبح القادة الإستراتيجيون ضروريين للنجاح والازدهار؛ لأنهم يقودون من خلال الرؤية والإلهام، ويعملون كمحركات للابتكار والتطوير المستدام، فالريادة الإستراتيجية ليست مجرد إحداث تأثير إيجابي مستمر داخل المنظمات فقط، ولكن أيضًا في المجتمعات والعالم الخارجي.

كل ما سبق نراه متجسدًا في إستراتيجية النهضة السعودية، والتي تتسم بمكونين أساسيين هما التنوع والتكامل، فهناك قاعدة من الخطط الإستراتيجية كمكون رئيسي للرؤية تتنوع لتشمل القطاعات التنموية كافة، فالرياضة والثقافة والفنون تمضي وتتطور وتزدهر جنبًا إلى جنب مع الصناعة والطب والطاقات البديلة والهيدروجين الأخضر، والتجارة والسياحة.

أما المكون الثاني فهو التكامل، والذي يمثل الريادة، حيث تتضافر مجمل هذه الأنشطة القطاعية لترسم صورة طموحة للغاية تؤهل المملكة العربية السعودية كي تستضيف العديد من الأنشطة والفعاليات الدولية بالغة التأثير، في غضون السنوات القلائل المقبلة، وصولا إلى «إكسبو 2030»، الذي سيكون أيقونة النجاح وتتويجًا لمجمل عمل وإنجازات ونجاحات المملكة العربية السعودية خلال العقد الجاري.

وفي رحلة البحث عن التميز والابتكار، يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للتفكير الإستراتيجي أن يتلاقح مع التفكير الريادي ليولد نموذجًا يُحتذى به في الإدارة والقيادة؟، يقف هذا السؤال كبوابة تفتح على عالم من الإمكانيات اللامتناهية، وهو سؤال يحمل في طياته سر النجاح للعديد من الشخصيات والمؤسسات على المستوى العالمي.

لنبدأ في عالم التفكير الإستراتيجي أولاً، حيث الخطط البعيدة المدى، وتحديد الأهداف الكبرى هي أساس النجاح في هذا العالم، ويعتبر التنبؤ بالتغيرات، وتحليل البيئة الخارجية جزءًا لا يتجزأ من العملية الإدارية، ولكن هل هذا كافٍ لمواجهة تحديات عالم متغير بشكل مستمر؟.

هنا يأتي دور التفكير الريادي، بروحه المبتكرة وشغفه بالتغيير، إنه العنصر الذي يضيف الحيوية والإبداع إلى الخطط الإستراتيجية، إذ أنه يبحث دائمًا عن الفرص الجديدة ويستغلها بطرق مبتكرة، مما يضمن استمرارية النجاح والتطور.

وفي سياق الحديث عن التجارب العالمية، نجد أن الشركات الرائدة التي استطاعت أن تحقق نجاحًا باهرًا وثباتًا في السوق هي تلك التي استطاعت أن تمزج بين هذين النوعين من التفكير، فمن خلال التخطيط الإستراتيجي المحكم والموازنة بالابتكار الريادي، تمكنت هذه الشركات من التغلب على التحديات وتحويلها إلى فرص، وهذا ينطبق علي المنظمات والدول التي تنتهج هذه الموازنة.

ومن ثم، لا يمكننا أن نغفل عن التجربة الفريدة للمملكة العربية السعودية تحت قيادة، الأمير محمد بن سلمان، عراب رؤية 2030، وهي تجربة تجسد بوضوح الدمج بين التفكير الإستراتيجي والتفكير الريادي، حيث تُظهر كيف يمكن للتخطيط الإستراتيجي أن يأخذ بعين الاعتبار التطورات العالمية ويستثمر في المستقبل، مع الحفاظ على روح الريادة والابتكار، تمثل هذه الرؤية خارطة طريق لتحقيق تنمية مستدامة ومتنوعة تتجاوز الاعتماد على النفط، وتضع المملكة على خارطة الريادة العالمية في مجالات متعددة.

في الختام، يمكن القول إن الدمج بين التفكير الإستراتيجي والتفكير الريادي يمثل مفتاحًا للنجاح في عالم متقلب ومليء بالتحديات.. هذا الدمج ليس مجرد نظرية إدارية، بل هو واقع مُثبت في تجارب عدة، محلية وعالمية، تؤكد أهمية الابتكار والمرونة في تحقيق الأهداف الإستراتيجية.