عبدالله الجديع

بات واضحًا أنَّ جماعة الإخوان حزب سياسي، ذو أيدلوجيا شمولية، فهي تسعى للسيطرة على جميع مفاصل الحياة، التعليم، الصحة، المرافق العامة، وغيرها، ولا تقتصر على الجانب السياسي، لتوظف كل هذا لخدمة مشروعها، وفي سبيل هذا تحرص على اختراق المؤسسات الدينية، من تعليم، ومساجد، وجمعيات خيرية، وهي تستعين بالتقنية لا إيمانًا منها بالتحديث، إنما بالنظر إليها كسلاح لنشر دعايتها ومواجهة خصومها، فهي تصنّف على أنها جماعة (كوارث) أي تنتظر كارثة، وأزمة، لتنشط، فلا يمكنها أن تعمل في مجتمع مستقر، تنافس فيه عقولًا ومواهب، لأنَّ ضعف بنائها الفكري، يستدعي منها الحاجة إلى كارثة تخوّف الناس، لتتعطّل عقولهم النقدية، فيقعوا فريسة لها.

كانت آخر هذه الأحداث الحرب على غزة، التي نشطت فيها كوادر الجماعة في مختلف وسائل التواصل، وكان واضحًا للمراقب أنَّ الجماعة لا تقبل تقييمًا لأفعالها أبدًا، حتى إنَّ المراقبين للحال في فلسطين إن أظهروا موقفًا نقديًا من سياسة الحركة المتفرِّعة على الإخوان، وأعني: حماس، انهالت عليهم التهم من كل حدب وصوب، بأنَّ ما يحدث لا يخضع لأيِّ تقييم سياسي، وصاروا يمتحنون الناس في مواقفهم، فإنْ لم يصرّح كما أرادوا منه اتهموه بالردة، والخيانة، وموالاة الصهيونية! ولم يتوقف بهم الحال في السعي لتسجيل نقاط مزايدة على من يرفض أفكار الإخوان وتنظيراتهم، حتى امتد إلى شتم كل غَزِّي يشتكي مما آلت إليه الأمور، فلا بد أن يخرج من تحت الردم يهتف لهم، وإلا انهالوا عليه بألوان التهم، وهم آمنون متنعمون.

لقد كشفت الأزمة الأخيرة عمن يتصيّدون الفرصة، وكانوا من قبلُ يجمّعون الناس حولهم، في مواضيع بعيدة عن السياسة، تقيّة من الدول، حتى إذا سمعوا بأخبار المنكوبين، انقضّوا باللمز والهمز حصرًا في الدول العربية، ومن لم يستعمل المعاريض منهم صرّح بالتحريض على هذه الدول، وعلى رأسها السعودية، رغم الجهود الجبّارة التي بذلتها السعودية في مختلف الميادين، سواء في إرسال المساعدات الإنسانية، أو مواقفها السياسية الحازمة التي ترفض استمرار هذه الحرب، إلى دعوة ولي العهد حفظه الله بوقف إرسال السلاح إلى إسرائيل.

ويحق لكل امرئ أن يتساءل عن شكل الحكم الذي يمكن أن يحققه الإخوان، إنه ذلك الذي يدان فيه الناس لأدنى مخالفة لهم، وفق النظام الذي يدعون إليه، شمولي يخترق كل تفاصيل الحياة بقبضة حديدية، باستعداد تام لإراقة الدماء، وسط تبرير جاهز من متطرفيهم، الذين لا يبخلون في توزيع أصناف التهم، بصيغة دينية، من الزندقة إلى الردة، في أمور لا يظهر بتاتًا أنهم يستوعبون مجراها، ولا يفهمون تعقيداتها.

لقد أظهرت الأحداث الأخيرة أنَّ الإخوان قد جهّزوا لكل خطوة تبريرهم المسبق، فإن نجحوا قالوا هذا يعود إلى عمق رؤيتنا، وإن تحطمّوا ودمّروا معهم شعبًا صاروا يستدلون بأنَّ يحيى بن زكريا قُتل، وأصحاب الأخدود قد حرقوا، والويل لمن قال لهم راجعوا أخطاءكم، فهو عميل ثبتت بحقّه أشنع التهم، ويستحق الحساب الشديد، لقد تأسست جماعة الإخوان في زمن الأنظمة الشمولية، موسوليني، وهتلر، وستالين، وسعى البنّا إلى السيطرة الشاملة على أعضاء الجماعة، الذين حوّلهم إلى ما يشبه الثكنة العسكرية، وهو المتفرّد في قراراته دونهم، فلا مجال للنقاش في أيِّ أمر قطعه.

وعلى خطى الأنظمة الشمولية، يصدّر الإخوان كلَّ أزمة داخلية تعصف بهم، وتدعوهم إلى مراجعة أخطائهم إلى اتهامات خارجية، ومن هنا كان رموزهم مهووسون بنظرية المؤامرة، حتى لا يعترفوا مرّة بفشل سياساتهم، فيقولون إنهم تعرّضوا لمؤامرة كبرى، شملت العالم الغربي والشرقي ومختلف الأنظمة التي مرّت على وجه الأرض، ووفق هذه الطريقة يسعون لاستغلال الأحداث في فلسطين، فتحدّث وضاح خنفر عن ضرورة طوفان في الدول العربية! ويسايره محمد العوضي، باتهام الدول العربية -وهو يقيم في واحدة منها- بالخيانة والعمالة، فكانوا يسعون إلى جعل غيرهم في موضع الدفاع عن نفسه، في حين أنهم هم أنفسهم في موضع الاتهام، فمن تركيا التي لم تتوقف علاقاتها مع إسرائيل، بل غمرت الأسواق الإسرائيلية بمختلف الصادرات التي يحتاجونها، كانوا يتهمون الدول العربية، ورغم فشلهم المتكرر طيلة قرن، عبر مغامرات انحصرت نتائجها بكوارث سياسية إلا أنهم لم يفشلوا مرة في إعادة التصريح بطموحاتهم الشمولية، ورفضهم لأي معارضة لهم، وهم الذين يتغنون بالديمقراطية وحرية الرأي.