أحيت الأمطار التي هطلت أخيرا عددا من عيون محافظة وادي الفرع في المدينة المنورة، وهي عيون تشكل أهم روافد المياه في المنطقة، إضافة إلى كونها «خزانا» مهما ينهل منها الباحثون والمؤرخون للاستدلال على الموروث الإنساني الذي خلفه الإنسان الذي عاش في المكان قبل مئات السنين، حيث بقيت وثائق عيون الوادي بمنزلة دلائل مادية محسوسة على تعقب تاريخ من سكن الوادي قديما، ولعل أهم وثائقها تلك التي تركز على دور القيّم على العين، وهو بمثابة الرئيس المنظم لشؤونها.
ويعد وادي الفرع واحدًا من أشهر الأودية في شبه الجزيرة العربية، ويقع في المنطقة الجنوبية للمدينة المنورة، وكان له أكثر من 50 عينا جارية كانت تسقي عددا كبيرا من النخيل بوادي الفرع.
متحف الوثائق
في متحفه الأثري بمحافظة وادي الفرع، يستقبل الباحث في تاريخ المدينة المنورة محمد بن صالح البليهشي زواره بين عشرات الوثائق التاريخية عن عيون وادي الفرع، إضافة إلى احتفاظه بأدوات استخدمت كمقادير لتوزيع مياه العيون، مؤكدا أن الوصايا والاتفاقات والأنظمة التي وضعت قديما لتنظيم وتوزيع مياه العيون شكلت أهم مصادر التاريخ التي وثقت تاريخ الوادي.
ويضيف «ساعدت الرسائل والوصايا والاتفاقات على توزيع مياه العيون الباحثين لاستحضار تاريخ وادي الفرع، وتبقى الوثائق التي خلفتها الأجيال حول إدارة شؤون عيون وادي الفرع والاتفاق على القيامة (الإدارة) بالعيون إضافة للمواثيق وعهود الصلح وإنهاء النزاع والثأر بين أبناء القرية أهم المصادر لرصد تاريخ محافظة وادي الفرع التابعة للمدينة المنورة».
مواثيق قديمة
يشير البليهشي إلى أنه «لا تزال عيون وادي الفرع من مئات السنين تسير بمواثيقها وقيمها ونظارها بموجب العهود والمواثيق التي رسمها الأجداد ويتوارثها السلف عن الخلف تخطيطا وعمرانا وإصلاحا والتزاما، وهي تحفظ وتوثق الحياة الاجتماعية حتى أمست أحد الشواهد التاريخية في توثيق تاريخ الوادي».
وأضاف «إن العيون وما جرى عليها من تنظيمات مكتوبة بوثائق قديمة بقيت حتى اليوم تخلد أسرارا وتاريخا ضاربا في القدم، فكل واحدة من عيون الوادي تستعرض حقيقة تاريخية وتوثق حكاية تناقلتها الأجيال حتى غدت راسخة في الذاكرة الشعبية والاجتماعية ووثيقة لتاريخ المكان».
أعراف العين
يكمل البليهشي «جرى العرف بين أهل القرى التي تسقى العين مزارعها على وجود قيّم بمثابة الرئيس المنظم للعين وشؤونها، يلاحظ زيادتها ونقصها ويعمل على تعميرها وإصلاح ما لحق مجاريها».
ويضيف «يساند القيّم مشرفون يصل عددهم إلى 6 أشخاص من ذوي الخبرة، ومن مهام القيّم كما تبين الوثائق تحديد الفرق أو الخص أو الحصة، وهو المبلغ الذي يخص كل صاحب (وجبة) ليدفعه من أجل إصلاح العين، ويقوم المستشارون والنظار وأهل الخيف بجمع المبالغ من المستفيدين لصرفها في مصالح العين».
رحلة الظلام
تؤكد الوثائق أن الأهالي يلتفون حول عيون المياه، وترصد الوثائق التاريخية الصعوبات التي تواجه مجاري العين التي تجري في بعض أجزائها تحت الأرض، فما إن يلاحظ الأهالي نقصًا في مياه العين إلا ويسندون الأمر لبعض المتخصصين في فتح مجاري العين، وهم رجال يبدأون العمل في دبول (دبل) وفلجان العين ويدخلون من خلالها يحملون الشموع ولمبات الزيت حسب اتساعها الذي يجبرهم أحيانا على الحبو والزحف في مجاري العين المظلمة لإصلاحها معرضين حياتهم للخطر.
وجبات العين
دفع الحرص والحذر من التعديات والخصومات على العيون التي تسقي مزارع القرية إلى تقسيمها إلى وجبات وتسمية كل وجبة حيث الزمن والمقادير والمواقيت، وتختلف المسميات وطريقة التوزيع بين عين وأخرى.
ويحدد قيّم العين كيفية توزيع المياه، وقد استحدث الأهالي قديمًا وحدات قياس شمسية وأدوات معدنية لتوزيع مياه العيون بالتساوي بين المزارعين.
منادي العين
يبين البليهشي، أن المساجد كانت مكان إذاعة أخبار العين نظرًا لأهميتها وأهمية الشفافية والوضوح بشأنها عند الأهالي، وجرى العرف عند الانتهاء من إصلاح العين أو إغلاق مجاريها لأي سبب بعد فريضة نهارية (الظهر أو العصر) ينادى بأعلى الصوت «عادت العين» وهو ما يطلقون عليه (دخلة العين).
ويكرر المنادي اليوم «دخلت العين وغدا بداية الوجبات» حتى يسمح للمشرفين وأصحاب الوجبات بمتابعة تصريف العين بشفافية ووضوح يطمئنان الأهالي على العدالة في توزيع مياه العين.
وتبين الوثائق أن من مهام قيّم العين تحديد عدد الوجبات التي تسير في مسيرها تلك العين، وإثبات بداية كل وجبة، ويستخدمون في توزيع المياه مقاييس مختلفة، مثل أشعة الشمس على قمم الجبال، كما أوجدوا ميزان توزيع كل ماء وكل وجبة (بقدر العين) وأحاطوه بكثير من الأنظمة الملزمة للجميع.
وقدر العين هو مقياس زمني عبارة عن قدر (إناء) من المعدن يملأ بالمياه بداية، وهناك طاسة من المعدن بوزن معين، ثقبت من أسفلها، فتوضع الطاسة في القدر المليء بالماء وهي فارغة وثقيلة، فيعلوا الماء من الثقب السفلي ويستغرق علو الماء من الثقب في الطاسة الصغيرة وقتا من الزمن حتى تملأ فإذا امتلأت سقطت في القدر وهو قدر وجبة.
ويعد وادي الفرع واحدًا من أشهر الأودية في شبه الجزيرة العربية، ويقع في المنطقة الجنوبية للمدينة المنورة، وكان له أكثر من 50 عينا جارية كانت تسقي عددا كبيرا من النخيل بوادي الفرع.
متحف الوثائق
في متحفه الأثري بمحافظة وادي الفرع، يستقبل الباحث في تاريخ المدينة المنورة محمد بن صالح البليهشي زواره بين عشرات الوثائق التاريخية عن عيون وادي الفرع، إضافة إلى احتفاظه بأدوات استخدمت كمقادير لتوزيع مياه العيون، مؤكدا أن الوصايا والاتفاقات والأنظمة التي وضعت قديما لتنظيم وتوزيع مياه العيون شكلت أهم مصادر التاريخ التي وثقت تاريخ الوادي.
ويضيف «ساعدت الرسائل والوصايا والاتفاقات على توزيع مياه العيون الباحثين لاستحضار تاريخ وادي الفرع، وتبقى الوثائق التي خلفتها الأجيال حول إدارة شؤون عيون وادي الفرع والاتفاق على القيامة (الإدارة) بالعيون إضافة للمواثيق وعهود الصلح وإنهاء النزاع والثأر بين أبناء القرية أهم المصادر لرصد تاريخ محافظة وادي الفرع التابعة للمدينة المنورة».
مواثيق قديمة
يشير البليهشي إلى أنه «لا تزال عيون وادي الفرع من مئات السنين تسير بمواثيقها وقيمها ونظارها بموجب العهود والمواثيق التي رسمها الأجداد ويتوارثها السلف عن الخلف تخطيطا وعمرانا وإصلاحا والتزاما، وهي تحفظ وتوثق الحياة الاجتماعية حتى أمست أحد الشواهد التاريخية في توثيق تاريخ الوادي».
وأضاف «إن العيون وما جرى عليها من تنظيمات مكتوبة بوثائق قديمة بقيت حتى اليوم تخلد أسرارا وتاريخا ضاربا في القدم، فكل واحدة من عيون الوادي تستعرض حقيقة تاريخية وتوثق حكاية تناقلتها الأجيال حتى غدت راسخة في الذاكرة الشعبية والاجتماعية ووثيقة لتاريخ المكان».
أعراف العين
يكمل البليهشي «جرى العرف بين أهل القرى التي تسقى العين مزارعها على وجود قيّم بمثابة الرئيس المنظم للعين وشؤونها، يلاحظ زيادتها ونقصها ويعمل على تعميرها وإصلاح ما لحق مجاريها».
ويضيف «يساند القيّم مشرفون يصل عددهم إلى 6 أشخاص من ذوي الخبرة، ومن مهام القيّم كما تبين الوثائق تحديد الفرق أو الخص أو الحصة، وهو المبلغ الذي يخص كل صاحب (وجبة) ليدفعه من أجل إصلاح العين، ويقوم المستشارون والنظار وأهل الخيف بجمع المبالغ من المستفيدين لصرفها في مصالح العين».
رحلة الظلام
تؤكد الوثائق أن الأهالي يلتفون حول عيون المياه، وترصد الوثائق التاريخية الصعوبات التي تواجه مجاري العين التي تجري في بعض أجزائها تحت الأرض، فما إن يلاحظ الأهالي نقصًا في مياه العين إلا ويسندون الأمر لبعض المتخصصين في فتح مجاري العين، وهم رجال يبدأون العمل في دبول (دبل) وفلجان العين ويدخلون من خلالها يحملون الشموع ولمبات الزيت حسب اتساعها الذي يجبرهم أحيانا على الحبو والزحف في مجاري العين المظلمة لإصلاحها معرضين حياتهم للخطر.
وجبات العين
دفع الحرص والحذر من التعديات والخصومات على العيون التي تسقي مزارع القرية إلى تقسيمها إلى وجبات وتسمية كل وجبة حيث الزمن والمقادير والمواقيت، وتختلف المسميات وطريقة التوزيع بين عين وأخرى.
ويحدد قيّم العين كيفية توزيع المياه، وقد استحدث الأهالي قديمًا وحدات قياس شمسية وأدوات معدنية لتوزيع مياه العيون بالتساوي بين المزارعين.
منادي العين
يبين البليهشي، أن المساجد كانت مكان إذاعة أخبار العين نظرًا لأهميتها وأهمية الشفافية والوضوح بشأنها عند الأهالي، وجرى العرف عند الانتهاء من إصلاح العين أو إغلاق مجاريها لأي سبب بعد فريضة نهارية (الظهر أو العصر) ينادى بأعلى الصوت «عادت العين» وهو ما يطلقون عليه (دخلة العين).
ويكرر المنادي اليوم «دخلت العين وغدا بداية الوجبات» حتى يسمح للمشرفين وأصحاب الوجبات بمتابعة تصريف العين بشفافية ووضوح يطمئنان الأهالي على العدالة في توزيع مياه العين.
وتبين الوثائق أن من مهام قيّم العين تحديد عدد الوجبات التي تسير في مسيرها تلك العين، وإثبات بداية كل وجبة، ويستخدمون في توزيع المياه مقاييس مختلفة، مثل أشعة الشمس على قمم الجبال، كما أوجدوا ميزان توزيع كل ماء وكل وجبة (بقدر العين) وأحاطوه بكثير من الأنظمة الملزمة للجميع.
وقدر العين هو مقياس زمني عبارة عن قدر (إناء) من المعدن يملأ بالمياه بداية، وهناك طاسة من المعدن بوزن معين، ثقبت من أسفلها، فتوضع الطاسة في القدر المليء بالماء وهي فارغة وثقيلة، فيعلوا الماء من الثقب السفلي ويستغرق علو الماء من الثقب في الطاسة الصغيرة وقتا من الزمن حتى تملأ فإذا امتلأت سقطت في القدر وهو قدر وجبة.