عبدالله الجديع

كان شابًا مهذبًا، تابعته مدة في وسائل التواصل الاجتماعي، إلى أن انقلب كيانه! حينها استشعرتُ بالخطر، لمست تغيّره في سطوره التي أضحت تنضح توترًا وجلافة، حتى سمعته في إحدى المرات يهاجم السعودية! لم أتمكن من كبح جماحي لرد افتراءاته، فرددتُ عليّه وكانت القطيعة بعدها، لم أحمل الموضوع على محمل شخصي، بل جعلت منه شرارة للبحث الذي سأجريه، وقد علقت في ذهني أسئلة: كيف يمكن لشاب مهذب مثله، أن ينقلب إلى وحش كهذا، من المسؤول عن حقن دماغه بهذا التشويه والافتراء؟ بدأت أنقب أكثر، وأتعرّف على ظاهرة جديدة في وسائل التواصل الاجتماعي.

ليس سرًا أن الدعوات المتطرفة ضيّق عليها الخناق في الواقع، فلم تعد كالسابق تعتلي المنابر، ولم يعد تأثيرها بين الناس بتلك الصورة الساذجة، حين كانت تهفو قلوب العديد منهم إلى شخص يجهلونه، لا يعرفون شيئًا عن ماضيه، أو حاضره، إنما سمعوا له شريطًا، وأحيانًا (سي دي)، يجذبهم بدموعه حينًا، وصرخاته أحيانًا، فأحسنوا به الظن، وسلموه قيادة عقولهم! هذا النموذج قديم، يمكن تسميته بالكلاسيكي وقد اختفى، لكن لمَ لا يكون استمر بصورة مختلفة؟ مكامنه السرية ليست في تورا بورا، ولا هيرات، بل في جيب كل واحد منا، في الهاتف الذي يتصل بالعالَم.

بحثتُ أكثر في ماضي ذلك الشاب الذي حظرني، فاكتشفتُ أن أرشيفه يشير إلى أنّ تغيره بدأ بعد انضمامه إلى برنامج تعليمي عبر الإنترنت، زعم معدّوه أنه لرد الشبهات عن الإسلام، وشيئًا فشيئًا قادني البحث إلى القائم على هذا البرنامج، واسمه أحمد السيد، يقيم حاليًا في تركيا، بعد أن خرج من السعودية، له الكثير من المقاطع على يوتيوب، تجده في بعضها قد تحلّق حوله أطفال وهو يلقي على مسامعهم شيئًا من أشعار الحماسة! وتحتفي به مواقع متعددة لأكاديميات على الشبكة، يشرف على واحدة منها تدعى (أكاديمية الجيل الصاعد)، وبرامج متنوعة مثل (البناء المنهجي) الذي يستمر لمدة سنة، برنامج (البناء الفكري)، برنامج (صناعة المحاور) مرورًا بما سماه (مشروع العمر للمصلحين) يستمر لمدة 5 سنوات! فحرصتُ على معرفة سيرته، ووجدتُ عنه تعريفًا بأنه حاصل على بكالوريوس في الشريعة، وهذا يعني أنه يشرف على برنامج مدته أطول من المدة التي أمضاها هو نفسه في الجامعة! كانت سيرته مقتضبة في أكثر من موقع، لكن مع مواصلة البحث ظهر لي بأنه من تلاميذ سليمان العلوان، وقد قرّظ له منظومة مدحه فيها، العلوان: سجين حاليًا بقضايا تتعلق بالإرهاب.

بعث هذا فيّ مزيدًا من الفضول سيّما والإعلان عن برامج أحمد السيد ينص على أن الانضمام مجاني، رغم هذا ففيها محاضرون من عدة دول، واختبار للطلّاب، وأبحاث تقدّم، مرورًا بمنح شهادات موقعة غير معترف بها رسميًا، وتتعدد أسماء تلك البرامج والأكاديميات، بما يصعّب التتبع والرصد للنشاطات التي يقومون بها، فلمَ لا يذاع محتوى تلك البرامج بما أنها مجانية، أنْ ترفع على يوتيوب وتنتهي الحكاية؟ وبدأت الأرقام تظهر أمامي عن إحدى تلك الأكاديميات: 15 ألف متخرج، 130 ألف طالب، أرقام ضخمة، فمن الذي يموّل كل هذا؟ كادر فني للعمل الطويل الذي قد يمتد على حسب ما هو معلن لسنوات، تصميم الإعلانات، متابعة التسجيل، التواصل مع الطلاب، بلا مردود مالي من الطلاب المسجلين، ألحّت عليّ هذه الأسئلة بشدة لأفهم طبيعة ما يحدث فيها.

وخلال رحلة البحث وجدتُ أن العديد من الطلاب يسجلّون في موقع رسمي للأكاديمية، يظهر بسهولة عبر البحث عنه في قوقل، لكن هناك من ينخرطون في الدراسة التخصصية أكثر على موقع آخر، وهو (تلجرام)، ففيه قنوات مخصصة، ينتقى لها عدد من الطلبة الذين تجاوزوا مراحل معيّنة، ولا يسمح لهم بنشر ما يتلقونه داخلها إلى العلن، رغم أنها مجانية! بل يتعهدون بعدم تسريب ما يسمعونه، وما يوزع عليهم داخل تلك الغرف الإلكترونية المغلقة! بدت هذه المعلومات مربكة بعض الشيء، فما الذي يدفع إلى مثل هذا؟ احتفى عدد من الشخصيات الإخوانية مثل محمد العوضي بهذه البرامج، موصين الشباب بالانضمام لها، هل يعقل أن تكون هذه البرامج طريقة جديدة تحاول بعض الجماعات التي ضيّق عليها الخناق، أن تصل إلى جمهور جديد من خلالها؟ من رد الشبهات، إلى كوادر تنظيمات؟!