عبير العلي

أعلنت الهيئة العامة للحياة الفطرية قبل عدة أسابيع عن حملة جديدة اسمها (لا تطعموها) - ضمن حملاتها المختلفة لحماية البيئة والحفاظ على التوازن البيئي- تستهدف هذه المرة بشكل خاص مشكلة تكاثر قرود البابون لا سيما في مناطق تكاثرها وانتشارها: جنوب وجنوب غرب المملكة العربية السعودية، وهي مناطق تتأثر بشكل فعلي من الأعداد الكبيرة والمتزايدة في السنوات الأخيرة لقرود البابون التي تتعرض معها المزارع والممتلكات والأرواح للعبث والإتلاف والأذى الشديد. لهذا يأتي لتخصيص الحماية الفطرية حملة خاصة لهذه المشكلة أهمية كبيرة، لا يمكن أن تنجح دون دراسة وافية للمسببات لمشاكل البابون، والسبل المناسبة للتعامل مع هذه المشكلات، وكيفية تنفيذ الحلول على أرض الواقع.

مشكلة قرود البابون ليست وليدة اليوم ولا الأمس؛ بل هي تراكم لمشاكل بيئية على مدى سنوات طويلة تسببت في ظهورها بهذه الأعداد وبهذا التوحش الذي نراها عليه اليوم. ولعل من أهم الأسباب لكثرة انتشار وتوحش قرود البابون بعد قلة عدد أو انقراض مفترساتها من الحيوانات هو ما تدعو حملة الحياة الفطرية المجتمع للقيام به، بأن (لا يطعموها). فقرود البابون التي اعتادت أن تتناول طعامها من بقايا أطعمة البشر ومخلفاتهم، تغيرت خصائصها الحيوية وأصبحت أكثر استئناسًا وجرأة في الوصول لحدود الممتلكات الخاصة بالبشر والعبث بها. وفرة الغذاء الذي نجده على جوانب بعض الطرقات السريعة، أو حول المتنزهات الجبلية، أو في حواف الأودية والشعاب جعل القردة تعتمد على ما يوفره لها الإنسان، وإن لم تجده تذهب للبحث عنه في نطاقه العمراني، فتتلف الحقول، وتلوث مجاري وخزانات المياه، وتتسلق المنازل فتؤذي ساكنيها وترعب صغارهم وقد تؤذيهم جسديا.

تكمن مشكلة مثل هذه الحملة أن فاعليتها لن تتحقق دون مشاركة المجتمع المحلي في المناطق المتضررة، وهذا الإنسان الذي اعتاد تقديم بقايا طعامه للحيوانات كنوع من «الصدقة» وبحثا عن الأجر والثواب من الله من الصعب عليه أن يتخلص من هذه الأطعمة لغير من يحتاجها. إذا فنحن هنا نعالج سلوكا لدى الإنسان والمجتمع قبل أن نعالج سلوكيات الحيوان الذي نتضرر منه، وهذه المعالجة تحتاج عدة جهات تسهم في تغيير سلوك اجتماعي معتاد ومعزز بالقيم الدينية، فالمؤثر لتغيير هذا السلوك يجب أن يكون مماثلا أو قريبا منه.

ومن جانب آخر ينبغي أن تشمل مثل هذه الحملة ، توعية للسلوك الاستهلاكي للإنسان، حتى لا يكون هناك فائض من الطعام يضطر لإلقائه لأي تجمع حيواني ويتسبب في ضرر بيئي كبير بنشر النفايات العضوية وغير العضوية التي تحمل فيها الأطعمة. كما أن من المهم أن تبحث الجهات المسؤولة عن التوازن البيئي وحماية الحياة الفطرية جنبا إلى جنب مع أمانات وبلديات المدن وبإشراف من الوزارات المعنية، أن تبحث عن طرق فاعلة في التخلص من نفايات بقايا الأطعمة، كإنشاء محطات معالجة ضخمة، ومصانع مختصة في تحويل تلك النفايات لما يمكن الاستفادة منه في التسميد أو الوقود، وتحقيق عوائد اقتصادية وتوازن بيئي، وعدم الاكتفاء بوضعها في حاويات ثم نقلها بنهاية اليوم إلى أماكن دفن أو حرق تلك المخلفات.

إذا ما توفرت الحلول العملية والاقتصادية والتي ترضي قيم وإنسانية الناس في التعامل مع بقايا أطعمتهم ومع الحيوانات حولهم، كمحطات تدوير النفايات العضوية، سيكون من السهل فرض غرامات على من يطعم القردة والحيوانات السائبة، ثم معالجة هذا السلوك مع الاعتياد عليه ولو بقوة الجزاءات والقانون في البدء، وهذا سيؤدي مع افتراض حلول عملية أخرى إلى محاربة تكاثر قرود البابون، كالإجراءات المباشرة في التعامل معها بالإخصاء أو القتل الرحيم.

مناطق جنوب وجنوب غرب المملكة مقبلة على نهضة سياحية وزراعية كبيرة - خاصة زراعة البن والفواكه الموسمية- واستمرار تكاثر واستئناس القردة بهذا الشكل سيكون معوقًا للسياحة والزراعة ثم الاقتصاد. إن الاستدامة البيئية أحد أهم الأسس التنموية التي قامت عليها رؤية 2030، وهي منذ انطلاق الرؤية حتى اليوم تسير في تسلسل فاعل شمل إطلاق عدد من الإستراتيجيات وإنشاء بعض المراكز أو إطلاق عدد من المبادرات والمساهمات العملية. وتبقى التوعية حجر أساس مهما في تحقيق هذا المستهدف التنموي المهم للرؤية جنبا إلى جنب مع محور المواطنة الصالحة ودورها في رفع جودة حياة المواطن السعودي ورفاهيته.