عادت أغنية عراقية شهيرة تتغنى بالشاي بصوت الفنانة ساجدة عبيد، تصدح في خيالي حينما عجزت عن تأكيد رهان خاسر بأن ما حدث مؤخرًا في فعالية شتاء أحد أصناف الشاي المحلية، وما صاحبه من افتعال ضجيج وحملات مقاطعة، لا يختلف كثيرًا عن أحداث حفلة شاي بوسطن إبان عصر الثورة الأمريكية، وما عرف حينها بقانون «تاونشند ريفيو» التي رد عليها المستعمرون الأوائل لأمريكا بمقاطعة الشاي البريطاني وإلقاء كميات كبيرة منه في ميناء بوسطن، وتشجيع استخدام بديل محلي مثل شاي لابرادور الذي لم يرض ذائقتهم ولم يغنهم عن مذاق الشاي الإنجليزي العريق. الفرق بين الحادثتين اللتين تلاشى معهما الرهان، أن حفلة شاي بوسطن كانت دوافعها سياسية اقتصادية في منتصف القرن السابع عشر، شكلت مسار دولة عظمى، وكانت مفصلًا تاريخيًّا في اقتصادها، أما حادثة شتاء الشاي المحلي وما تلاها فلا دوافع لها إلا ما يمكن تصنيفه بصناعة التفاهة، أو ثقافة العار، أو ربما عالم المتناقضات ورعاية الأدلجة بثياب أنيقة. ومهما حاول العقل والمنطق أن يأخذها نحو جانب الصراع الاقتصادي بين أصناف الشاي المحلية المختلفة، إلا أنه يعود نافضا يديه من الواقع الذي يخيب التوقع.
التوقف عند هذه الحادثة التي تحرك معها المجتمع بين طرفي نقيض، هو محاولة لاستقراء المشهد الاجتماعي المتغير في السعودية منذ ما يزيد على خمسة أعوام، والخروج بفهم عام للنمط الذي يتعامل به مع الأحداث التي تقع هنا وهناك، وكيف يقف منها، وما الخلفيات التي تثيرها بذلك الشكل. ثم الخلاص إلى الحلول التي قد تفيد في السلبيات التي ظهرت في تلك المواقف وكيف ومن يتبناها ولكم من الوقت.
ما أثار الغاضبين والمنفعلين على الشاي المحلي وصاحبه مالك العلامة التجارية، أنه استضاف عددًا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي خاصة النساء، متبعًا أسلوبًا رائجا لدى الكثير من الفعاليات التجارية وغير التجارية مؤخرًا، التي تنشد التفاعل والتواصل من خلال ما يعرف بفئة (المؤثرين) في المجتمع، الذين يصلون لجمهورهم من خلال هواتفهم النقالة في الغالب. حجة المعارضين لهذا الأسلوب -في هذا الموقف بالذات- أن النساء المؤثرات اللاتي استضافهن لم يكن محتشمات، وأنهن رقصن وتمايلن مع الرقصات الشعبية المختلفة التي قدمت ضمن فقرات الاحتفال. لهذا انبرى عدد ممن يرى نفسه أيضًا (مؤثرا) في إعلان الاستياء مما حدث، والدعوة لمقاطعة هذه العلامة التجارية، حتى تظن أنها حرب اقتصادية كحفلة شاي بوسطن، والبعض الآخر بادر بالفعل في التخلص منها ونشر ما يؤكد تبرؤه من ذلك الشاي وصاحبه الذي خالف قيما يؤمنون بها.
يظهر في هذا الاستقراء السريع نمط متكرر لحوادث اجتماعية كثيرة جميعها تهمس بمقولة نابليون بونابرت: «فتش عن المرأة»، فما استفز تلك الفئات التي تتطرف في رفض ما حدث أثناء الفعالية الخاصة، لتاجر أراد إشهار علامة تجارية لديه بأسلوبه وذوقه الخاص، هو لأن المرأة ظهرت فيها بشكلها الطبيعي رغم احتشام لبسها، ورقصت -أو قامت بما يشبه الرقص- في مكان وزمان ما!
إذا فالمرأة هي التي ما زالت تستفز المجتمع الذي سيطرت عليه النظرة الأحادية لها منذ أجيال لا تراها إلا عيبًا، ولا في ظهور وجهها أو حياتها بشكل طبيعي وتلقائي إلا عارًا يستدعي الإنكار والمقاطعة والتأليب والتحيز الجنسي الصارخ، خاصة إن كانت هذه المرأة سعودية، لأنه ويا للمفارقة، كانت تقام أثناء هذه النوبة المجتمعية الغاضبة فعالية عالمية لماركة إيطالية شهيرة عند جبل عكنة بالعلا، والعرض الطلياني لا يُغضب أحدًا ولا يستفزه ما دام عالميا لهذه الدرجة. غير الاحتفال الراقي الذي اجتمعت فيه مؤثرات الفن والغناء والتمثيل بأجمل وأبهى حلة من حول العالم العربي لحضور احتفال لأحد الهيئات السعودية التكريمية.
إن اعتماد أحد الأشخاص في الإعلان لتجارته أو فعاليته على فئة «المشاهير»، قائم بشكل أساسي على ذائقته، ثم على قوة «صناعة التفاهة» التي انتشرت مع موجة برامج التواصل الاجتماعي التي روجت وأبرزت الجيد والمتردية والنطيحة بشكل متماثل، وأصبح المتلقي هو الحكم فيمن يتابع وبمن يتأثر، بل وكيف يحكم على فعالية ويؤلب عليها وينزه نفسه عنها، ثم يعلم عنها من خلال حسابات يشتمها ويعاديها ويتتبعها. صناعة التفاهة ليست قضية هذا المقال، بل فكرة معاداة المرأة، والأدلجة التي تحف أي ظهور لها، سواء أكان تافها أو ثمينًا، وهو الأمر الذي يستحق التعمق فيه من المهتمين والباحثين والمربين، بالتساؤل والبحث والتوعية بعد سنين طويلة من إقصاء للمرأة، والتشويه لأدوارها، والانتقاص من حضورها، والحكم الجاهز والمباشر لأي ظهور يخصها.
حينما يتعمق الوعي بتساوي المرأة والرجل في مناحي الحياة كلها، وفي التشريعات والتكليفات والقوانين، سيحتكم أي ظهور أو تعامل أو أدوار من المرأة والرجل للذائقة، والمنطق، والقبول الذي لا تحكمه أدلجة، ولا يرتهن لقوانين العيب والعار والخطيئة. وفي الصراعات عمومًا؛ إن كانت عندك قضية فتناولها بإنصاف، وإن كانت لديك معركة فخضها بشرف. وإن كنت بلا قضايا أو معارك؛ فاصنع الشاي، وارفع صوتك بالغناء!
التوقف عند هذه الحادثة التي تحرك معها المجتمع بين طرفي نقيض، هو محاولة لاستقراء المشهد الاجتماعي المتغير في السعودية منذ ما يزيد على خمسة أعوام، والخروج بفهم عام للنمط الذي يتعامل به مع الأحداث التي تقع هنا وهناك، وكيف يقف منها، وما الخلفيات التي تثيرها بذلك الشكل. ثم الخلاص إلى الحلول التي قد تفيد في السلبيات التي ظهرت في تلك المواقف وكيف ومن يتبناها ولكم من الوقت.
ما أثار الغاضبين والمنفعلين على الشاي المحلي وصاحبه مالك العلامة التجارية، أنه استضاف عددًا من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي خاصة النساء، متبعًا أسلوبًا رائجا لدى الكثير من الفعاليات التجارية وغير التجارية مؤخرًا، التي تنشد التفاعل والتواصل من خلال ما يعرف بفئة (المؤثرين) في المجتمع، الذين يصلون لجمهورهم من خلال هواتفهم النقالة في الغالب. حجة المعارضين لهذا الأسلوب -في هذا الموقف بالذات- أن النساء المؤثرات اللاتي استضافهن لم يكن محتشمات، وأنهن رقصن وتمايلن مع الرقصات الشعبية المختلفة التي قدمت ضمن فقرات الاحتفال. لهذا انبرى عدد ممن يرى نفسه أيضًا (مؤثرا) في إعلان الاستياء مما حدث، والدعوة لمقاطعة هذه العلامة التجارية، حتى تظن أنها حرب اقتصادية كحفلة شاي بوسطن، والبعض الآخر بادر بالفعل في التخلص منها ونشر ما يؤكد تبرؤه من ذلك الشاي وصاحبه الذي خالف قيما يؤمنون بها.
يظهر في هذا الاستقراء السريع نمط متكرر لحوادث اجتماعية كثيرة جميعها تهمس بمقولة نابليون بونابرت: «فتش عن المرأة»، فما استفز تلك الفئات التي تتطرف في رفض ما حدث أثناء الفعالية الخاصة، لتاجر أراد إشهار علامة تجارية لديه بأسلوبه وذوقه الخاص، هو لأن المرأة ظهرت فيها بشكلها الطبيعي رغم احتشام لبسها، ورقصت -أو قامت بما يشبه الرقص- في مكان وزمان ما!
إذا فالمرأة هي التي ما زالت تستفز المجتمع الذي سيطرت عليه النظرة الأحادية لها منذ أجيال لا تراها إلا عيبًا، ولا في ظهور وجهها أو حياتها بشكل طبيعي وتلقائي إلا عارًا يستدعي الإنكار والمقاطعة والتأليب والتحيز الجنسي الصارخ، خاصة إن كانت هذه المرأة سعودية، لأنه ويا للمفارقة، كانت تقام أثناء هذه النوبة المجتمعية الغاضبة فعالية عالمية لماركة إيطالية شهيرة عند جبل عكنة بالعلا، والعرض الطلياني لا يُغضب أحدًا ولا يستفزه ما دام عالميا لهذه الدرجة. غير الاحتفال الراقي الذي اجتمعت فيه مؤثرات الفن والغناء والتمثيل بأجمل وأبهى حلة من حول العالم العربي لحضور احتفال لأحد الهيئات السعودية التكريمية.
إن اعتماد أحد الأشخاص في الإعلان لتجارته أو فعاليته على فئة «المشاهير»، قائم بشكل أساسي على ذائقته، ثم على قوة «صناعة التفاهة» التي انتشرت مع موجة برامج التواصل الاجتماعي التي روجت وأبرزت الجيد والمتردية والنطيحة بشكل متماثل، وأصبح المتلقي هو الحكم فيمن يتابع وبمن يتأثر، بل وكيف يحكم على فعالية ويؤلب عليها وينزه نفسه عنها، ثم يعلم عنها من خلال حسابات يشتمها ويعاديها ويتتبعها. صناعة التفاهة ليست قضية هذا المقال، بل فكرة معاداة المرأة، والأدلجة التي تحف أي ظهور لها، سواء أكان تافها أو ثمينًا، وهو الأمر الذي يستحق التعمق فيه من المهتمين والباحثين والمربين، بالتساؤل والبحث والتوعية بعد سنين طويلة من إقصاء للمرأة، والتشويه لأدوارها، والانتقاص من حضورها، والحكم الجاهز والمباشر لأي ظهور يخصها.
حينما يتعمق الوعي بتساوي المرأة والرجل في مناحي الحياة كلها، وفي التشريعات والتكليفات والقوانين، سيحتكم أي ظهور أو تعامل أو أدوار من المرأة والرجل للذائقة، والمنطق، والقبول الذي لا تحكمه أدلجة، ولا يرتهن لقوانين العيب والعار والخطيئة. وفي الصراعات عمومًا؛ إن كانت عندك قضية فتناولها بإنصاف، وإن كانت لديك معركة فخضها بشرف. وإن كنت بلا قضايا أو معارك؛ فاصنع الشاي، وارفع صوتك بالغناء!