عدنان هوساوي

سجلت قناة ذكريات الفضائية وما زالت تسجل حضورًا مميزًا في برامجها التي عُرضت في شهر رمضان الكريم، والتي تعرض حاليًا بمناسبة عيد الفطر المبارك.

مصدر التميز لمن هم في مثل سني على الأقل يكمن في تلك البرامج القديمة والموغلة في القدم التي قد لا تروق للبعض من جيل اليوم، الجيل الذي يجهل حالة الإعجاب التي تخيم علينا ونحن نتابع برامجها بقسط وافر من الاهتمام، ولن يدرك بالطبع الشعور الوجداني الذي تحدثه هذه القناة فينا، نحن جيل الأمس، باختصار شديد لقد عادت بنا هذه القناة إلى بدايات النشأة، إلى جذور تاريخ التلفزيون السعودي الأبيض والأسود، وأخذت فقرات برامجها تتهادى في مخيالنا بعيد الصغر، ويبدو أن بزوغ شمسها كان بداية ولادة مشروع كبير تاق إليه المجتمع التواق إلى الأصالة، المجتمع الذي يبحث عن الهوية الثقافية المحلية المفقودة منذ زمن بعيد، والمضمورة بين أتون أعمال تلفزيونية حديثة لم تعد ترتقي بمحتوى برامجها إلى ذائفة شريحة كبيرة من المجتمع الذي تستهويه البرامج الهادفة ذات المضمون والقيمة المعنوية الكبيرة المشحونة بالذوق الرفيع.

لقد أتت هذه القناة كي تسد رمقنا، رمق الجيل المتعطش للموروث الأصيل، جاءت لتسلط الضوء على حقبة زمنية عرفت بجيل الطيبين، ولأن أشعلت هذه القناة مستهل ظهورها ردود أفعال واسعة بين أفراد المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي على حداثة عهدها بالمشاهد، فقد أشعلت في المقام الأول وأثارت حنين وأشجان الجيل الطاعن في السن، المرهفة حسيًا، فكثير من تفاصيل تلك الأعمال التلفزيونية الممتعة لا تزال عالقة في ذاكرته، وهو الجيل الذي عاصر زمن (الإريل) لاقط البث آنذاك.

إن تشكيلة البرامج والمسلسلات التلفزيونية، وبرامج الأطفال بشكل خاص ظلت محفورة في الذاكرة إلى يومنا هذا، ما برحت عن الأذهان خاصة الوصلات الغنائية التي توضع في مقدمة البرامج مع التتر، كوصلة عدنان ولينا على سبيل المثال، وهايدي الصغيرة، ووصلة جزيرة الكنز التي يرددها الكبار قبل الصغار.

الأعمال التلفزيونية القديمة هي في الحقيقة إرث ثمين، ومن الظلم أن يندثر هذا الإرث أو يتوارى عن الأنظار أو يطوى في عالم النسيان، بالأمس كنت أتابع برامج عدة عبر هذه القناة العريقة، من ضمنها مسلسل اسمه (قناديل رمضان) جارٍ عرضه الآن، وهو واحد من أعرق المسلسلات التي أنتجتها محطة تلفزيون جدة عام 1398 للهجرة - 1978 للميلاد، وأحد المسلسلات التي يصعب المرور على برامج القناة دون التوقف عنده، ربما لأني زاملت أبطال المسلسل الذين قاموا بأداء الأدوار في سن مبكرة، وهم في سن متأخرة، من خلال عملي في إذاعة جدة، أمثال فؤاد بخش وعبدالستار الصبحي أحد أعمدة سلسلة برنامج بابا فرحان، ولا أنسى كذلك المذيع والممثل والكاتب المخضرم خالد زارع وبرنامجه الشهير (ربوع بلادي) تغشاهم الله جميعًا بواسع رحمته.