الحجر مادة البناء الأولى..
فالإنسان يقيم به المأوى المقصود فيه الغرض إلى سد الضرورة والحاجة منه.
والبنّاء يصنع به منزلاً متكامل الصورة في النفع، والتناسق، والوثاق على نحو أوسع استيعاباً للمطالب المتطورة.
والنحات يصنع منه التماثيل، والزخارف، وفاتن الأشكال.. لا يضع فيها دقة الصناعة، وجمالها، والنفع.. بل المعنى، والفكرة، ورمز الفن وتعبيره.. وأثرها في الخيال..
فصناعة النحت أتاحت للحجر تعبيراً أرقى من تعبيره في المأوى الخاص وفي المنزل الكامل.
والكلام هو وسيلة التعبير عن أغراضنا، وأداة تشكيلها، وتصويرها فهو -بهذا- مادة البناء الأولى في مطالب النفس، والفكر.
يصنع به المتحدث صور أغراضه ومراميه وشعوره.
ويصنع به الخطيب والكاتب؛ وسيلة التأثير والاستفزاز، والاستهواء وترسيخ الغرض، وتوكيد المطلب، وعرض الفكرة، والدعوة إليها.
ويصنع به الشاعر كل ذلك أو بعضه في صور أعمق فنياً، وأوضح مثالية وأفصح جمالاً، وأروع فتنة.
والناس لا يطلبون في المأوى الخاص ما لا يحققه إلا المنزل المتكامل، ولا في المنزل المتكامل -من حيث توسع أغراض الصناعة والارتفاق- ما يطلبونه في صناعة النحت التي تستهدف التعبير الفني عن الفكرة؛ فهم أيضاً لا يلتمسون في الخطيب ما يلتمسونه عند الكاتب، ولا عند الكاتب ما يلتمسونه عند الشاعر.
فالشاعر إذاً؛ صاحب صناعة فنية، مثالية، رفيعة؛ تتصرف بمادة البناء الأولى؛ في أبنيتها، وصورها؛ تصرفاً يتيح لها تعبيراً أغنى وأروع وأحفل بالفكرة، والإشارة، والرمز، والمعنى، والمضمون... أو تصرفاً أوسع مدى من تصرف المتحدث، والخطيب، والكاتب.
بواعث الشِّعر هي بواعث الغناء
هذا الكلام مبدأ، أو محاولة لتبسيط فكرة التفريق بين المتحدث بالكلام المرسل ومطلبه الإفصاح، والخطيب وهدفه التأثير والاستهواء، والكاتب وغايته ترسيخ الفكرة، وتأسيسها، والشاعر ويستهدف ما شاء في حياة الفكر، والخيال، والشعور، وحركة النفس، وخلجاتها، واستجاباتها، وحقائقها وأوهامها.. أو في حياة الواقع، والقانون، والمنطق، والقاعدة، والعمل، والتكوين، والرأي، والعقيدة؛ ولكن من هذا السبيل، وبهذا الأسلوب.. سبيل الجمال، وأسلوبه الخاص.
بهذا التفريق -إن كان معقولاً- تتفاوت مراتب الكلام، حديثاً مرسلاً، وصناعة حديث، وكتابة أديب، وشعراً.
والشعر؛ على ما يبدو أنه الصحيح؛ كلام وصناعة وفن.. ولكنه في كل صورة من هذه الصور؛ الترف الحافل بمعاني القدرة المعبرة، وذخائرها النفيسة؛ في أبهى الحلل والأثواب، حتى بساطته -وهي من أسمى صفاته وغاياته- إنما تكون ترف البساطة الفنية بالمذخورات، لا فقرها العاري أو المتكلِّف.
إن بواعث الشعر -فكرية كانت أو نفسية- هي بواعث الحياة ذاتها وانفعالاتها.. ومعانيه، وخيالاته، وصوره هي التي تجول في كل نفس، وفكر.. غامضة مكبوحة، أو واضحة طليقة.. وباهتة أو لامعة.
والكلام هو وسيلة لتصويرها، والتعبير عنها، أو هو مادة بنائها، فلا جرم إذا كانت ديباجة الشاعر وأسلوبه قوة وضعفاً وانطفاءً ونصوعاً وصحة واعتلالاً؛ هي الدلالة والفارق والمقياس وميزان الحكم على قدرة الصناعة وحذقها وأهبتها، واكتمال أدواتها.
وندير الكلام على طريقة أخرى؛ فنقول: إن بواعث الشعر هي بواعث الغناء في كل نفس إنسانية. ونظن الأمر في هذه الفكرة من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى دليل، أو موازنة.
فالإنسان يقيم به المأوى المقصود فيه الغرض إلى سد الضرورة والحاجة منه.
والبنّاء يصنع به منزلاً متكامل الصورة في النفع، والتناسق، والوثاق على نحو أوسع استيعاباً للمطالب المتطورة.
والنحات يصنع منه التماثيل، والزخارف، وفاتن الأشكال.. لا يضع فيها دقة الصناعة، وجمالها، والنفع.. بل المعنى، والفكرة، ورمز الفن وتعبيره.. وأثرها في الخيال..
فصناعة النحت أتاحت للحجر تعبيراً أرقى من تعبيره في المأوى الخاص وفي المنزل الكامل.
والكلام هو وسيلة التعبير عن أغراضنا، وأداة تشكيلها، وتصويرها فهو -بهذا- مادة البناء الأولى في مطالب النفس، والفكر.
يصنع به المتحدث صور أغراضه ومراميه وشعوره.
ويصنع به الخطيب والكاتب؛ وسيلة التأثير والاستفزاز، والاستهواء وترسيخ الغرض، وتوكيد المطلب، وعرض الفكرة، والدعوة إليها.
ويصنع به الشاعر كل ذلك أو بعضه في صور أعمق فنياً، وأوضح مثالية وأفصح جمالاً، وأروع فتنة.
والناس لا يطلبون في المأوى الخاص ما لا يحققه إلا المنزل المتكامل، ولا في المنزل المتكامل -من حيث توسع أغراض الصناعة والارتفاق- ما يطلبونه في صناعة النحت التي تستهدف التعبير الفني عن الفكرة؛ فهم أيضاً لا يلتمسون في الخطيب ما يلتمسونه عند الكاتب، ولا عند الكاتب ما يلتمسونه عند الشاعر.
فالشاعر إذاً؛ صاحب صناعة فنية، مثالية، رفيعة؛ تتصرف بمادة البناء الأولى؛ في أبنيتها، وصورها؛ تصرفاً يتيح لها تعبيراً أغنى وأروع وأحفل بالفكرة، والإشارة، والرمز، والمعنى، والمضمون... أو تصرفاً أوسع مدى من تصرف المتحدث، والخطيب، والكاتب.
بواعث الشِّعر هي بواعث الغناء
هذا الكلام مبدأ، أو محاولة لتبسيط فكرة التفريق بين المتحدث بالكلام المرسل ومطلبه الإفصاح، والخطيب وهدفه التأثير والاستهواء، والكاتب وغايته ترسيخ الفكرة، وتأسيسها، والشاعر ويستهدف ما شاء في حياة الفكر، والخيال، والشعور، وحركة النفس، وخلجاتها، واستجاباتها، وحقائقها وأوهامها.. أو في حياة الواقع، والقانون، والمنطق، والقاعدة، والعمل، والتكوين، والرأي، والعقيدة؛ ولكن من هذا السبيل، وبهذا الأسلوب.. سبيل الجمال، وأسلوبه الخاص.
بهذا التفريق -إن كان معقولاً- تتفاوت مراتب الكلام، حديثاً مرسلاً، وصناعة حديث، وكتابة أديب، وشعراً.
والشعر؛ على ما يبدو أنه الصحيح؛ كلام وصناعة وفن.. ولكنه في كل صورة من هذه الصور؛ الترف الحافل بمعاني القدرة المعبرة، وذخائرها النفيسة؛ في أبهى الحلل والأثواب، حتى بساطته -وهي من أسمى صفاته وغاياته- إنما تكون ترف البساطة الفنية بالمذخورات، لا فقرها العاري أو المتكلِّف.
إن بواعث الشعر -فكرية كانت أو نفسية- هي بواعث الحياة ذاتها وانفعالاتها.. ومعانيه، وخيالاته، وصوره هي التي تجول في كل نفس، وفكر.. غامضة مكبوحة، أو واضحة طليقة.. وباهتة أو لامعة.
والكلام هو وسيلة لتصويرها، والتعبير عنها، أو هو مادة بنائها، فلا جرم إذا كانت ديباجة الشاعر وأسلوبه قوة وضعفاً وانطفاءً ونصوعاً وصحة واعتلالاً؛ هي الدلالة والفارق والمقياس وميزان الحكم على قدرة الصناعة وحذقها وأهبتها، واكتمال أدواتها.
وندير الكلام على طريقة أخرى؛ فنقول: إن بواعث الشعر هي بواعث الغناء في كل نفس إنسانية. ونظن الأمر في هذه الفكرة من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى دليل، أو موازنة.